ومما يلاحظ أن صغار القطط وهي في وكناتها تفح كالثعبان وأكثر صغار الطيور تفعل ذلك أيضا وهي في عشائشها، وغرضها من ذلك فيما يظن هو طرد العدو بإيهامه أن في الوكنة أو العش ثعبانا ساما؛ لأن الثعابين أعداء ألداء لأكثر الطيور والحيوانات اللبونة ولذلك فإن هذه تخافها طبعا وغريزة من غير تعلم. وتقليد فراخ الطيور والقطط للثعابين يعتبر من العوامل البقائية المهمة في حياتها.
والخروف آنس الحيوانات، ولو باد الإنسان من الأرض فجأة لما عاشت بعده أسبوعين؛ لأن الخروف أصبح أعزل لا يحسن شيئا من أصول القتال ومبادئه، فإذا ارتفعت عنه حماية الإنسان ورعايته لم تبق عليه الحيوانات المفترسة ولم يستطع مقاومتها، وقد يمكن أن يعود الفرس والكلب والثور إلى الوحشية التامة فتكافح الوحوش الضارية، ولكننا لا نظن أنه يمكن للخروف أن يفعل ذلك.
والخروف حيوان اجتماعي محض، ومما يلاحظ فيه أنه في عدوه يقتفي أثر سابقه بالضبط ولا يحيد قيد شبر عنه، مثال ذلك أنه قد يقفز خروف فوق قناة فترى أن بقية خرفان القطيع تفعله بالضبط من غير روية أو تعلم، وهذا ليس بالأمر الهين، كما يظهر لأول وهلة فإذا اجتمع مئة رجل وأرادوا أن يقفزوا فوق قناة لم يستطيعوا ذلك إلا بعد أن يفكر كل منهم ويقيس بعقله المسافة التي يجب أن تقفز ودرجة التحفز التي يجب أن تهيأ قبل القفز، ولكن الخراف تقفز بداهة بغير روية، والسبب في ذلك على ما نظن هو حاجتها قديما إلى تقدير الأشياء التي من هذا القبيل بداهة وسريعا؛ لأن الخروف حيوان جيلي، بدليل وجود أبناء أعمامه المتوحشة الآن في الجبال، فهو يحتاج في جريه إلى تتبع قائده بسرعة وخفة حتى لا يدركه العدو المطارد.
والخنزير من الحيوانات التي أصبحت في يد الإنسان آلة ميكانيكية أو معملا كيماويا لتحويل المادة النباتية إلى مادة حيوانية فإنه سرعان ما تصل الأعشاب إلى كرشه وتتحول شحما ولحما.
والسبب في ذلك أن الخنزير كان يسكن قديما الأقاليم الباردة حيث يتجرد وجه الأرض من النباتات وقت الشتاء، ودليل ذلك أن الخنزير البري من سكان تلك الأقاليم إلى الآن، وكان الخنزير ينزوي وقت الشتاء فيقضي نحو ستة أشهر بغير طعام، ولهذا السبب نشأت فيه تلك الشراهة الخارقة تبعثه دائما للتفتيش والتنقيب عن الطعام؛ لأنه كان يضطر إلى اختزان كمية كبيرة من الشحم في جسمه ليتغذى بها وقت الشتاء على نحو ما يفعل النحل في اختزان العسل، والعسل والشحم يكادان يكونان مادة واحدة، والفرق بينهما أن النحل يخزن عسله في بيوت معدة لذلك حتى إذا جاء الشتاء أكله، أما الخنزير فيخزن شحمه في جسمه .
ومن الحيوانات التي ذللها الإنسان واستولدها للذبح المعز، وأهم ما نلاحظه فيها خفتها في الحركة وقدرتها العجيبة على المشي في الحافات الضيقة أو المستدقة؛ فإنك قد ترى أحيانا عنزتين تروحان وتغدوان تمرحان وتتواثبان على حائط عال لا تزيد تخانته على ربع متر أو أقل، والسبب في ذلك أن المعز كانت تعيش قديما على قمم الجبال وتحتاج إلى الوثوب والالتجاء إلى القمم المستدقة لامتناعها على الحيوانات المفترسة، ومصداق ذلك أن الوعل والأيل يفعلان ذلك وهما من جنس المعز ويمثلان الآن عيشتها الوحشية القديمة، وكثيرون من أصحاب الملاعب يستفيدون من هذه الخاصة في المعز ويدربونه على المشي على الحافات الدقيقة مما يدهش لغرابته المشاهدون.
والجمل من الحيوانات التي يظهر في خلقها وخلقها تأثير الوسط الذي عاشت فيه قديما، فهو حيوان صحاري ورمال قليلة المراعي والمياه، ومن يراه يمشي في شوارعنا الموحلة أو المرشوشة يشعر أن الخف صنع للرمال، والجمل مشهور بصبره على العطش وقدرته على اختزان ما يكفيه من المياه مدة طويلة، وهو صبور على الجوع أيضا؛ لأن في سنامه كمية وافرة من الغذاء يتقوت بها عند قلة الطعام، فهو من هذه الوجهة مثل الخنزير غير أنه لا يفرق شحمه مثله على جميع أعضائه بل يجمعه في أعلا ظهره، وهذه كلها خصائص توافق الصحاري التي كان يعيش فيها.
ومن أراد أن يلمح لمحة من حياة الجمل الوحشية فلينظر إليه وهو يأكل الحسك والأشواك فإن شغفه الشديد بها يدل على تأصل ذوقه لهذه النباتات الصحراوية، فإن الصحاري لا تنبت لقحل أرضها وقلة الغيث فيها غير هذه الأشواك، وكانت الجمال قديما تفتش عنها وتتغذى بها، وما زال فلاحنا للآن إذا شعر بضعف شهوة الجمل في أكل البرسيم أو الفول، وهما من الأطايب لمثل هذا الغذاء، يأخذه إلى حيث يجد هذه الأشواك فيرد إليه شهوة الأكل بها.
والفيل أكبر الحيوانات التي ذللها ا لإنسان، ولو لم يكن اجتماعيا في حياته الوحشية لما استطعنا تذليله، فإن الأسد أضعف منه قوة ولكننا لم نتمكن من تذليله؛ وذلك لأنه لا يعرف طرق المعاملة مثل الحيوانات الاجتماعية، ولا يعرف معنى العقاب والطاعة والمكافأة، ويشعر إذا قربنا منه بالعداء وشهوة الافتراس، أما الفيل فينظر إلينا كما ينظر إلى إخوانه الفيلة فيعرف ما له وما عليه ويميز بين العقاب الخفيف عند الخطأ الطفيف والعقاب الشديد عند الخطأ الكبير.
نحن خمسة في هذا العالم
Unknown page