ولا يعرف أحد لماذا انقرضت والخيط في هذا الموضوع لا ينتهي وربما كان ما نستبعده في خيالنا هو أقرب التعليلات إلى عقولنا، وهو أن الأرض وجدت هي والمجموعة الشمسية في مكان من المجرة التي تنتسب إليها عم فيها البرد وشمل الأرض، فلم تتحمله الزواحف الكبرى ولذلك نشأ بعدها، من صميم أجسامها، نوعان يتسمان بغطاء يقي الجسم من البرد هما الطيور بريشها واللبونات أو الرواضع بأصوافها وشعرها ووبرها.
ولكن هذا حدث فقط وإن يكن أحسن الأحداس.
والخوف من انقراض الحيوانات قد بعث حكومة إفريقيا الجنوبية على إيجاد حرم تبلغ مساحته أكثر من مليوني فدان يحرم فيه صيد الحيوانات، ولذلك تجد هناك الأسود والنمور والفيلة وأفراس النهر والكركدن والجاموس والغزلان والزراف والحمر الوحشية «الزرد» والقردة، وكذلك المئات من أنواع الطير، تجد الحماية التي تكفل لها البقاء، وهذا الذي قامت به حكومة جنوب إفريقيا الجنوبية هو بر الإنسان بالطبيعة والحيوان.
ولكن هذه الحكومة التي تحمي الحيوان لا تحمي مع ذلك سيد الحيوانات وهو الإنسان الزنجي الذي يلقى منها كل احتقار.
إمارات الوحشية في حيواناتنا الداجنة
اهتدى الإنسان منذ أزمان بعيدة إلى إدجان بعض الحيوانات وهو يستخدمها الآن لأغراض شتى: للحمل وللمطعم والملبس، فنحن نستخدم الفرس والحمار للحمل ونستخدم الثور في جر المحراث أو غيره من الأثقال، ونأكل لحمه ولحوم الخراف والمعز ونستعمل أصوافها في ملابسنا.
وإذا نحن نظرنا إلى هذه الحيوانات من الوجهة البيولوجية وجدنا في أخلاقها وفي خلقتها دلائل الوحشية القديمة، كما نلحظ أيضا الأسباب التي جعلت الإنسان يختارها، ويدجنها دون غيرها من الحيوانات.
فأول ما يلحظه الإنسان في هذه الحيوانات أنها كلها اجتماعية؛ أي: أنها تعيش مجتمعة أسرابا، فالخيل والحمير والثيران والخراف والمعز والفيلة والكلاب كانت تعيش عيشة اجتماعية، وهذا ما يسر للإنسان تذليلها وسهل عليها عشرته؛ لأن الحيوان الاجتماعي يختلف عن الحيوان الانفرادي «مثل الأسد والضبع» بقدرته على التفاهم مع إخوانه وإدراكه لحقوق الغير والطاعة لرئيسه عند اللزوم والنظر إلى مصلحة السرب أو القطيع العامة، وهذا ليس في الحيوان الانفرادي كالنمر والضبع، فإنها لانفرادها في معيشتها لا تعرف كيف تعامل أفراد نوعها، فإذا تقابل أسدان اعتركا في الحال وقتل أحدهما الآخر.
والإنسان لم يدجن الأسد والضبع والنمر ونحوها من الحيوانات الانفرادية؛ أي: التي تعيش منفردة، أو لم يستطع إدجانها؛ لأنها لا تدرك معنى الاجتماع وطرق المعاملة وحقوق الغير كما يدركها الحيوان الاجتماعي كالفرس؛ إذ هو ينظر إلى الإنسان مثل ما ينظر إلى فرس آخر، فهو يعرف من حياته الاجتماعية القديمة أنه لا يحسن به عض أخواته أو رفسها أو الاعتداء على طعامها أو عصيان أمر رئيسه، والإنسان يستفيد من هذه الأخلاق فيذلله ويركبه.
والفرس حيوان سهول ويظهر أنه نشأ في جزيرة العرب أو في أرض تماثلها في قلة خصبها وانبساط أرضها؛ لأنه إذا أكل احتف ما أمامه احتفافا كأنه معتاد رعي النباتات والجذور الضئيلة ولا يخرج لسانه ويجز العشب جزا كما تفعل البقرة؛ لأن البقرة كانت تعيش قديما في الغابات فكانت تلتقط غذاءها بلسانها من أوراق الأشجار الكثيفة، ولذلك تجد فلاحنا يربط الخيول والحمير وراء البقر والجواميس، فإذا رعت البقرة جانبا من المرعى، ربط فيه الفرس فيحتف ما يبقى فيه.
Unknown page