Insan Hayawan Ala
الإنسان والحيوان والآلة: إعادة تعريف مستمرة للطبيعة الإنسانية
Genres
1
للنشاط المتعلق بالأحلام ولكن قد تكون إحدى هذه الوظائف هي مراجعة العناصر التي تم تعلمها خلال اليوم السابق والعمل على ترتيبها وإدماجها في مجموعة العناصر المخزنة بالفعل في ذاكرة الحيوان. وهكذا تعتبر الصور غير المتناسقة للحلم انعكاسا لهذا الترتيب الذي نقوم به للذكريات في المناطق البصرية من العقل. ويمثل هذا النشاط المتعلق بالأحلام في كل الأحوال نوعا من المحاكاة غير المرتبطة مباشرة بتناسق العالم الخيالي. فخلال فترة الأحلام تتوقف الحركة بصفة عامة فلا يتحرك الحيوان النائم، ولكن الباحث الفرنسي ميشيل جوفيه الذي اضطلع بعدة أبحاث حول آليات النوم، استطاع ملاحظة بعض القطط التي حدث خلل لديها في الآليات التي تعوق الأوامر الحركية خلال الحلم. فأظهرت هذه الحيوانات سلوكيات مدهشة؛ فهي تتفاعل وتتحرك كما تفعل في الحلم وتغضب وتطارد فئرانا (خيالية) ... إلخ. وبالرغم من عدم القدرة على استجواب الحيوانات حول قدرتها على الحلم عندما تستيقظ، تشهد فترات الحلم خلال النوم على وجود قدرات على محاكاة عناصر خيالية لدى الحيوانات. (1-2) القدرة على التخيل لدى الجنس البشري
تبدو هذه القدرات متطورة للغاية لدى البشر الذين يستطيعون عمل محاكاة فراغية لعدة كيانات خيالية وفي اليقظة. فإلى جانب التفكير المنطقي الذي يهدف إلى محاكاة الواقع بشدة ويحتل مكانة كبيرة لدى الإنسان ليشكل التفكير العلمي، تؤدي هذه المحاكاة الفراغية في العالم الخيالي إلى تفكير غير منطقي بل مخالف للعقل. وتغطي هذه المحاكاة مجالات متنوعة ومختلفة مثل القصص الخيالية أو الأساطير أو اختراعات الشعر السريالي («الأرض زرقاء كالبرتقالة» وفقا لما قاله الشاعر إليوار) أو مواقف الخيال العلمي. وتسمح أيضا للإنسان بأن يخرج بعقله خارج نطاق الكون المسكون والمعتاد لبلوغ «أكوان موازية» يمكن أن تختفي فيها القيود والقواعد التي يفرضها العالم الحقيقي. وتمده أيضا بمحاكاة عالم حقيقي تحده بالضرورة «لعبة الإمكانات» (وفقا لتعبير فرانسوا جاكوب الذي نستخدمه خارج سياقه) غير المحدودة تقريبا. فبلا شك يمثل هذا النفاذ الكبير إلى عالم خيالي متطور للغاية إحدى قمم النشاط الفكري الإنساني. فإن «الإنسان العاقل»، وهو يفوق أي عالم (حتى لو كانت هذه الصفة شديدة الأهمية لجنسنا البشري)، حالم وفنان ويستطيع أن يحلم بعيدا عن حدود الممكن والافتراضي وغير المنطقي والخارق والوهمي والمستحيل والغريب. (1-3) الصراع بين الواقع والخيال
ومن أجل أسباب تتعلق بوحدة العالم، نلاحظ بالإضافة إلى ذلك أن هذه المحاكاة الخارجة عن سياقها، هذا الإقحام للشيء المحاكى خارج حدوده الطبيعية، هذا الانحراف للمنطقية إلى اللامنطقية وأحيانا إلى الغرابة، هو ما يقود غالبا إلى نتائج ملموسة (ومفيدة) في العالم الحقيقي. فقد تضم الأساطير تعاليم ملموسة، ويمكننا أن نشير إلى أن خيالات بعض كتاب الخيال العلمي تجد في عالم «الحقيقة الافتراضية» الذي يخرق قوانين الفيزياء الطبيعية طريقة تحقيق واقعية. فهكذا يستطيع المتجول في العالم الافتراضي أن يطير مثل الطيور أو يضاعف قوته مثل الأبطال الخارقين أو يحيا من جديد مثل العنقاء!
وكما أشار الفيلسوف جيل جاستون جرانجيه،
2
يكتسب هذا الصراع بين التفكير المنطقي والخيالي أهمية كبيرة في عمليات الابتكار العلمي والفني على حد سواء، فيقول: إن تطور الابتكار «لا يمكن أن يتم فصله نهائيا عن اللامنطقية.» إن هذا الصراع بين العقل والخيال، بين المحاكاة (العلمية) للواقع ومحاكاة كيانات خيالية في الفراغ مما يؤدي إلى تنوير الواقع والقيام بنشاط ابتكاري يبدو أنه إحدى السمات المميزة للإنسان، مع مراعاة حدود هذا المفهوم التي ذكرت على مدار هذا الكتاب. (2) الإنسان والآلة والخيال
في قصة إسحاق أسيموف القصيرة «أحلام الروبوت»، يتعين على سوزان كلفين أن تعتني بروبوت «مضطرب» وحالم، وهذا ما شغل بال هذه «الطبيبة النفسية للروبوتات» ثم أثار قلقها؛ لأن أحلام الروبوت تقوده إلى تصرفات جديدة ربما تكون خطيرة على الإنسان. ففضلت إبطال العقل البوزيتروني للروبوت خوفا من أن تؤثر الصور التي ينتجها هذا الروبوت الحالم على روبوتات أخرى.
فهل تستطيع آلة أن تتخيل؟ للإجابة عن هذا السؤال كأي سؤال آخر، يتعين علينا محاولة إعادة صياغة ما يعنيه التخيل من حيث العمليات الأكثر قربا مما تستطيع الآلات فعله. (2-1) الآلة تستطيع المحاكاة
تستطيع الآلة التنبؤ (انظر الفصل الثاني)؛ فيمكنها عبر المحاولة والخطأ أن تستبق نتائج أعمالها أو تطور بيئتها. فتتفق هذه العملية مع بناء نموذج واضح أو ضمني لبيئة مكانية، ويسمح هذا النموذج بالمحاكاة دون التحرك.
Unknown page