ومن المقابلة بين هذه القوى، كما ذكرت في الكتاب المبين، قد نتبين أن «الروح» هو أقربها إلى الحياة الباقية، وأخفاها عن المدارك الحسية، وأنه الجانب الذي استأثر الله بعلمه واحتجب عن أنبيائه؛ لأنه سر الوجود المطلق؛ لا قدرة للعقل الإنساني المحدود على الإحاطة به ووعيه إلا بما يناسبه من الإشارة والتقريب:
ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (الإسراء: 85).
أما العقل والنفس في بيان القرآن الكريم، فالراجح أن النفس أقربهما إلى الطبع أو القوة الحيوية التي تشمل الإرادة كما تشمل الغريزة، وتعمل واعية كما تعمل غير واعية، وتأتي في مواضعها من الآيات الكثيرة مرادفة للقوة التي يدركها النوم، والقوة التي يزهقها القتل، والقوة التي تحس النعمة والعذاب، وتلهم الفجور والتقوى، وتحاسب على ما تعمل من حسنة وسيئة؛ فهي القوة التي تعمل وتريد مهتدية بهدى العقل، أو منقادة لنوازع الطبع والهوى، وتوضع لها الموازين القسط يوم القيامة.
الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها (الزمر: 42).
وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار (الأنعام: 60).
وإذا ذكر قتل النفس «في القرآن» فإنما هو قتل الإنسان أو الناس على حسب الخطاب إلى الفرد أو الجماعة:
من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا (المائدة: 32).
ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (النساء: 29).
ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم (البقرة: 85).
ولكن الإنسان أعم من النفس؛ لأنه مسئول أن ينهاها:
Unknown page