Insaf
الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري، عن أبي العلاء المعري
Genres
أخبرني ناصر بن موفق بن فرج السلمي المراكشي بالقاهرة، وكان من أهل الأدب، قال: نقلت من طرة على كتاب الأغاني للرقيق: قال محمد بن أبي بكر، ويعرف بالحاتمي، ارتحلت أريد المعرة، لألقى أبا العلاء ابن سليمان. فبينا أنا في بعض طريقي، وإذا بشاب حسن الصورة، وسيم الوجه، وهو أعور، وهو راكب على عير، ومعه شخص وضئ الوجه، حسن الصورة، يعتبه (¬1) عتابا لطيفا، فلما انتهى إلى آخر عتابه، قال له الشاب الأعور (¬2) منشدا:
إن كنت خنتك في الهوى ... فحشرت أقبح من فضيحه
قال الحاتمي: فرمت أن أزيد على هذا البيت شيئا فلم أستطع لكثرة طربي به، إلى أن انتهيت إلى المعرة ودخلت على أبي العلاء ابن سليمان. وكان أول حديثي معه، أن تذاكرنا في أبيات من الشعر، ذكر منها بيت جهل قائله، وهو:
إنما تسرح آساد الشرى ... حيث لا تنصب أشراك الحدق
فقال: لقد أضاء بصيرة وإن عمي بصرا. فقلنا له: أتعرف لمن الشعر؟ فقال لا. فبحثنا عنه، فوجدناه لبشار بن برد. ثم خلوت معه، فسألني: من أنت؟ فقلت: أنا فلان. فقال: أنشدني شيئا من شعرك، فأنشدته. ثم انتهى حديثي معه إلى أن حكيت له حكاية الشاب الذي لقيته في طريقي، وأنسيت أن أقول له: إنه كان أعور. قال: فلما أنشدته (¬3) :
إن كنت خنتك في الهوى ... فحشرت أقبح من فضيحه
قلت (¬4) له: لم أستطع أن أزيد على هذا البيت شيئا. فأسرع أن قال لي: فألا زدت عليه:
Page 86