133

Inqilab Cuthmani

الانقلاب العثماني

Genres

فأسف سعيد لهذا الفشل، ولكنه تجلد لأن الزمان علمه الصبر وأن الإنسان لا ينبغي أن يقلق ويضجر أو ييأس. فعاد إلى مناستير فرآها قائمة قاعدة، وقد وصل إليها شمسي باشا، وأخذ في التحري والبحث والتشديد، وقد دله بعضهم على بعض أعضاء الجمعية فعزم على الفتك بهم. فعقدت الجمعية جلسة مستعجلة ثبتت فيها الحكم عليه بالإعدام، ونهض الفدائي وهو يبتسم لقيامه بهذه المهمة . وفي اليوم التالي ضجت المدينة لمقتل ذلك المشير على يد شاب ملازم أطلق عليه مسدسه بين 1500 من أعوانه وغيرهم ونجا بنفسه سالما ولم يقف أحد على خبره. فكان لهذا الفتك تأثير شديد في قلوب أعداء الجمعية وتضاعفت هيبتها، ولا سيما بعد أن شاع خبر عصابة نيازي. •••

كانت عصابة نيازي قد نجحت نجاحا باهرا، وطلب الانضمام إليها خريستو القائد البلغاري فقبلوه، فاكتسبوا بذلك ثقة البلغاريين. وقبل سفر العصابة كتب نيازي إعلانات بعث بها إلى القصر والمفتش العام وقومندان الجندرمة في مناستير وبكباشي الطابور في رسنة ومدير رسنة، وقال في كتابه إلى القصر: «إن الأمة تطلب الدستور، والجمعية صاحبة هذا المشروع مستعدة لخدمة الذات السلطانية دون أن تحاسبها عما سلف من السيئات، فنحن نريد الدستور فإن كانت الحكومة لا تمنحه طوعا فالأمة ستأخذه عنوة.»

ولما آن السفر أخذوا يهتمون بصرف أنظار الحكومة عنهم لئلا تشعر بفرارهم، فارتأى نيازي أن يصرف اهتمامها إلى مكان خارج المدينة زعم أن عصابة بلغارية هاجمته، فخرج الجند إلى ذلك المكان فخلت الثكنة، فدخل هو ورجاله إليها وفتحوا صناديق الأسلحة وأخذوا ما وجدوه من النقود، وكتب نيازي صكا بذلك حفظ في صندوق الطابور.

خرجوا وهم 150 رجلا قاصدين إلى لاحجة، فالتقوا بمن وافاهم إلى هناك، وشرح لهم نيازي خطته فقال: «إن خطتي الجهاد في سبيل الحرية إلى الممات، فمن لا يرضى فليرجع.» فوافقوه وساروا معه وجعلوا يطوفون القرى يدعون أهلها إلى الاتحاد معهم في طلب الحرية والدستور، ويحلفونهم على الثبات. وبذلوا الجهد في محاسنة غير المسلمين ومعاملة الأهالي بالرفق والعدل، وأدخلوا عددا كبيرا من الأهالي في الجمعية وفيهم النصارى والمسلمون على اختلاف الطوائف في أستاورة وأوخري وغيرهما. وكتب نيازي إلى جرجيس رئيس عصابة الألبانيين يدعوه إلى الانضمام إليه لمناهضة الحكومة الظالمة، وكتب بذلك إلى غيره أيضا.

فلما علمت الحكومة في رسنة بخروج نيازي ورجاله بعثت جندا للقبض عليهم فلم يعرفوا الطريق إليه، وساعدهم على الاختفاء أن الجمعية كان نفوذها قد تمكن في أهم المدن هناك، مثل أوخري ودبره وقروشيشته وغيرها. وانضم إليهم كثيرون من المغضوب عليهم الفارين من كل الطوائف. وكان نيازي يصرف الرواتب إلى رجاله مما جاء به معه، وإذا احتاج إلى المال أخذ من البلد الذي يكون فيه، وأعطى شيوخه صكا على الحكومة تقتطع قيمته من الضرائب.

وفي اليوم الثالث من خروجه كتب إلى الجمعية في مناستير بما فعله وبشرهم بنجاحه، وبعث منشورا إلى نصارى مقدونيا ترجمه إلى لغاتهم يطلب إليهم نبذ الضغائن القديمة والاتحاد مع المسلمين لطلب الدستور، وأن هذا هو الغرض الأصلي لجمعية الاتحاد والترقي. واهتم بجمع كلمة القرى الإسلامية المتقاربة وتشكيل هيئات إدارتها وإحكام الصلح والوفاق بينها. وجمع إليه الهاربين من الجيش أو السجن ممن كانوا يضرون بالأهالي وأجمل لهم النصح، ودبر ما يمنع مضارهم، واجتذب قلوبهم بالعفو والملاطفة وحسن الأسلوب واتباع الحق والعدل، ودبروا طريقة لمخابرة رسنة وأوخري واتخذوا بريدا وعينوا منازله.

واشتد أزر نيازي لما بلغه قيام أنور بك مثل قيامه، وكان ينشئ في القرى التي يمر بها نوعا من الحكومة الدستورية يوافق نظام الجمعية، وكان الناس ينضمون إليه ويؤازرونه. ولحقت به عدة عصابات وطنية.

فلما بلغت أخبار هذا النجاح إلى مناستير اشتد أزر الجمعية، فكتبت إنذارا إلى والي مناستير تقول في جملته: «إن حكومتكم الحاضرة غير شرعية لأنها خالفت الدستور، وإن الجمعية تعمل على استرداده.» وكتبت إلى نيازي كتابا ضمنته الأوامر والنصائح والأخبار، وفي جملة ذلك أن «شمسي باشا أعدم علنا ونجا قاتله.» ففرح نيازي بذلك.

واضطربت الحكومة وأهمها الارتباك والفوضى فعينت الفريق عثمان باشا بدلا من شمسي، فاجتمعت الجمعية وبحثت فيما تفعله فرأت الميل إلى الرفق، فقررت القبض عليه بدلا من قتله، وبعثت تستقدم نيازي، وكان قد طاف كثيرا من بلاد ألبانيا وعزم على المسير إلى يانيا، فقضى في تنقله أياما يجمع كلمة الناس باسم الجمعية، ويستحلفهم على الثبات ضد الظلم بلا تفريق بين المذاهب أو العناصر، فدخل في محالفته البلغار والصرب والألبان والأروام، وصار الرهبان يحتفلون بقدومه، ويتوسلون إلى الله أن يأخذ بيده، وهم يعدون الجمعية حكومة دستورية شرعية خفية.

فلما وصله الأمر بالمجيء إلى مناستير أسرع إليها وهو لا يعلم ما يطلب منه، وقاسى في سبيل عودته كثيرا من المشاق حتى أتى ضواحي مناستير، فوصل إليه كتاب من الجمعية تأمره بالقبض على عثمان باشا، فحاصروه في مركز القومندانية وقطعوا الأسلاك التلغرافية، وجردوا الحراس من الأسلحة. وكان الباشا نائما فأيقظوه وأمسكوه من ذراعيه، وأفهموه ألا خوف عليه. ثم تقدم إليه نيازي وأخذ يقنعه بأنهم لا يريدون أذاه، وأن مقصدهم شريف، وأن المراد حمله ضيفا إلى رسنة. وسلم إليه كتابا من الجمعية قرأه

Unknown page