Inqilab Cuthmani

Jurji Zaydan d. 1331 AH
122

Inqilab Cuthmani

الانقلاب العثماني

Genres

عاد رامز إلى التفكير في شيرين بعد أن انفضت جلسة الجمعية المركزية في سلانيك، ثم حدث أباه بحديثه معها، وأخذ يروي له تاريخ حياته بعد فراقه تلك المدة الطويلة، فقضيا يوما في مثل ذلك. وأخيرا قال سعيد: «أين أم شيرين الآن؟»

قال: «أخبرني جارهم أنها ذهبت للبحث عن شيرين في مناستير وما حولها.»

قال: «دعنا نذهب إلى هناك فنحمل معنا أوامر الجمعية المركزية إلى شعبتها، ألم تقرر الجمعية بالأمس أن ترسل وصية مدحت وسائر قراراتها إلى فروعها؟ وهي طبعا تحتاج إلى رسل سريين، فلنكن نحن رسلها إلى مناستير.»

ففرح رامز بهذا القرار وقال: «سأقابل الكاتب وأخبره بذلك.» وافترقا. وفي اليوم التالي أطلق الرصاص على ناظم بك، واهتزت سلانيك لهذا العمل الأول من نوعه. وبعد أيام أعدت التقارير ونحوها مما يطلب نقله إلى شعبة مناستير، وكلها مكتوبة بالأرقام (الشفرة) على نسق خاص بين الجمعيتين، وتسلمها رامز وسعيد ثم ذهبا إلى مناستير وقابلا كاتب الجمعية فأنبآه بما يحملانه من الأوامر الجديدة وطلبا عقد جلسة خاصة لهذا الشأن، فعقدت جلسة سرية على نحو ما حدث في جمعية سلانيك. وكان الكاتب قد حل رموز الرسائل وهيأها. فلما عقدت الجلسة، وهي مؤلفة من بعض الضباط وموظفي الحكومة، وفي مقدمتهم: القائمقام صادق بك قومندان آلاي الفرسان الرابع عشر، وفخري بك ترجمان الولاية، واليوزباشي حبيب بك، والملازم ضيا بك من ضباط المدفعية، وإبراهيم شاكر أفندم معلم الرسم في المكتب الإعدادي، والبكباشي رمزي بك من أركان الحرب، ووهيب أفندي وغيرهم. وكلهم من ذوي الأخلاق السامية والمبادئ الصحيحة ولا سيما صادق بك، وكان أكثرهم عملا وأشدهم حماسة، وهو رب السيف والقلم، وعليه كان المعول في التدابير التي دبروها والبيانات التي نشروها، وهم جميعا يقتفون خطواته ويقتدون برأيه، فهو بمثابة رئيسهم وقائدهم. وكان ربعة، مستدير اللحية، يبدو عليه الضعف شأن أصحاب المزاج العصبي، وإن لم تكن فيه حدة العصبيين، بل هو رابط الجأش ثابت في أعماله، يظهر الهدوء والسكينة في محياه، فإذا دعت الحالة إلى الحماسة أو العمل غضب كالأسد الهائج لا يبالي ما يفعل، وقد يضحي بنفسه في سبيل الحق والحرية.

فلما عقدت الجلسة كان أول شيء فعلوه هو التعرف إلى سعيد بك، والتنويه بما له من الأيادي البيضاء في تاريخ الأحرار. ثم تلوا وصية مدحت ورحبوا بها كل الترحيب، وأعجبهم ما كان من قرار الجمعية بشأنها، وتحمسوا ووافقوا على الفتك، وقرروا إبلاغ ذلك إلى فروع الشعبة في رسنة وغيرها.

ولما انفضت الجلسة كان أول شيء فعله رامز أنه ذهب للبحث عن أم شيرين حتى علم أنها في منزل بعض أقاربها، فأخذ أباه معه لملاقاتها، وكانت تعرفه من قبل فرحبت بقدومهما. وسألها رامز عن شيرين وشأنها، فقصت عليه حديثها مع صائب وما دار بينهما، وعن ثباتها في حبه، وكيف اختفت بغتة. فأعجب بصدق محبتها وازداد أسفا على ضياعها وعزم على البحث عنها، ثم قال: «لا بد من العثور عليها، إلا أن يكون ذلك الملعون قد حملها على الانتحار تخلصا منه، ولكنها عاقلة لا تركب الرذيلة، وهي تعلم أني لا أزال حيا، بل هي تحب الحياة من أجلي كما أحبها من أجلها.»

فقال أبوه: «لا بد من الصبر حتى يأتي الله بالفرج. وأين طهماز؟»

فقالت: «لا أعلم أين هو، ولكنه كان مع صائب بك إلى آخر يوم.»

فقال رامز: «إنه الآن من أرباب الرتب المقربين في يلدز.»

فضحكوا رغم ما هم فيه من الحزن والقلق، لأنهم يعرفون حقيقة طهماز وأنه لا ينفع لغير الأكل، ولولا امرأته ما عرف أحد بوجوده. •••

Unknown page