Inqilab Cuthmani
الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة: أصدق تاريخ لأعظم انقلاب
Genres
وفي سنة 1890 تشكلت جمعية انقلابية أرمنية
2
لتحرير الأرمن التابعين للدولة العلية وروسيا والعجم، وكان رأس مالها مائة وثلاثين ألف فرنك، وميزانيتها اليوم مليون فرنك، منها ثلاثون في المائة للقيام بالحركات الانقلابية والسياسية، وخمسة وعشرون في المائة لتسليح الأمة، وعشرون في المائة للنشرات والتبشير، فأحس أحرار العثمانيين بذلك وتأثروا جدا، فاجتعموا سرا وتشاوروا، وخابر بعضهم كبراء الأرمن وعقلاءهم، وقالوا لهم ما حاصله: لا محل لإصلاح ولايات أرمينيا وحدها دون باقي الولايات العثمانية، فالواجب طلب الإصلاح للمملكة العثمانية كلها. نعم، إن الأرمن يتألمون من الإدارة الحاضرة ولكن الظلم والاستبداد ليسا موجهين إليهم خاصة، بل هما شاملان للأرمن والأتراك وعموم المسلمين والمسيحيين، فإنهم جميعهم يئنون تحت أثقال التكاليف وارتكاب الموظفين ومعاملاتهم القسرية والاستبدادية، ويتحملون أنواع الظلم والاعتساف وهضم الحقوق، وحظ المسلمين من ذلك أكبر؛ لقيامهم وحدهم بأعباء الخدمة العسكرية التي تقعدهم عن زرع الأرض واكتساب الثروة والرفاه والنمو والازدياد في العدد، وإن اتفاق الأرمن والأتراك على القيام بطلب الإصلاحات اللازمة وتأسيس حكومة مقيدة حرة يعد من الحمية والغيرة الوطنية، ولكن قيام الأرمن أو طائفة أخرى على انفراد بمساعدة الأجنبي وترغيبه؛ لا تعده تركيا الفتاة إلا خيانة وجناية وضررا بمنافع الوطن المشتركة؛ على أن الأرمن كانوا لدى تجنسهم بالجنسية العثمانية لا يزيدون على بضعة عشر ألفا، وقد أصبحوا اليوم يعدون بالملايين، وإن القاطنين منهم في العاصمة والمدن الكبيرة على جانب عظيم من الغنى والثروة والرفاه، وبيدهم الشئون المالية والوظائف العالية والرتب السامية، وهم على وفاق وائتلاف تام مع الأتراك، حتى إذا أطلقت كلمة «ملت»
3
صادقة، لا تنصرف إلا إلى الأرمن، فبناء على هذا الامتزاج التام بين الترك والأرمن - وما فيه من الفوائد والمنافع للفريقين - طلب بعض أحرار الترك من معتبري الأرمن وعقلائهم إفهام الجمعيات الأرمنية التي في أوروبا هذه المقاصد، واستعمال نفوذهم لتعديل المطالب الأرمنية ونبذ التهور في سياستهم.
وفي سنة 1894 اشتعلت نيران الحادثة الأرمنية وحصلت مذابح ساسون وخربت ثلاثون قرية من قراهم، كل هذا وجواد باشا الصدر الأعظم لاه عن اتخاذ الوسائل لحسم هذه المسائل، والقيام بالإصلاحات في جميع أرجاء المملكة، ولقد كانت سياسته محصورة بالتدابير المؤقتة لإيقاف الاعتداء وسلوك سبيل المماطلة والإرجاء، وأوروبا - ولا سيما إنجلترا - واقفة للدولة بالمرصاد، تخلق لها المسائل والمشكلات واحدة بعد أخرى، فمن الحادثة الأرمنية إلى المشكلة الكريدية إلى المسألة المقدونية وهلم جرا ... ورجال المابين أكثرهم جهلاء أغبياء، لا خبرة لهم بالسياسة، ولا معرفة لهم بالشئون الحاضرة، وآخرون منهم شياطين أبالسة لا يدأبون إلا على جمع الأموال وادخارها، ولو أدى ذلك إلى خراب الوطن وسقوط المملكة، فكانوا يخوفون السلطان من حزب تركيا الفتاة ومن القيام بالإصلاحات، ويشيرون باتخاذ التدابير السيئة حتى حدث ما حدث من المذابح والفظائع التي نسبت إلى الإسلام، والإسلام يبرأ إلى الله منها.
والدين إنصافك الأقوام كلهم
وأي دين لآبي الحق إن وجبا!
والمرء يعييه قود النفس مصحبة
للخير وهو يقود العسكر اللجبا
Unknown page