تضحك كوكب وتقهقه بصوت ناعم متقطع يشبه الشهيق أو النشيج، وتسير إلى مكتبها تفرقع بحذائها فوق الأرض الناعمة الممسوحة.
في الكافيتيريا
جلست كوكب تكتب مقالها الأسبوعي، أمامها فوق مكتبها عدد من بطاقات التهنئة بعيد ميلادها، فوق رأسها صورة ضخمة للوجه الكبير داخل البرواز، لا يختلف كثيرا عن الوجه السابق، سقط عنه شعر الرأس قليلا وانتقل إلى الذقن قليلا، تاركا مساحة من ظل خفيف فوق الجبهة العريضة، دق جرس التلفون، انتفضت في مقعدها. - كل سنة وإنتي طيبة يا كوكب. - شكرا مين بيتكلم؟ - أنا زيدان مش عارفة صوتي؟ - الحقيقة لأ. - إزاي تنسيني يا كوكب؟ - مشغولة جدا. - نتعشى سوا النهارده؟ - أنا مرتبطة ع العشا. - نتقابل ع الغدا؟ - لازم أخلص المقال يا زيدان. - حاولي تخلصيه يا كوكب، عندك ساعتين ونتقابل في الكافيتيريا الساعة اتنين ونص. - خليها ثلاثة ونص أكون خلصت المقال. - أوكيه يا كوكب.
زيدان زميل لها بالجورنال، يردد كلمة أوكيه كثيرا، طويل عريض بشرته سمراء، شعره أكرت مقصوص، حليق الوجه من دون شارب أو لحية، شفتاه ممتلئتان قليلا لونهما يميل إلى الزرقة، خليط من أب مصري وأم من السودان، صوته متحشرج بذكورة مذكرة، يقهقه بصوت عال، يتقد حماسة وطموحا إلى مراكز القوة، عضو في الحزب الحاكم، كلما قابلها مصادفة في الممر رمقها بنظرة شبقة، تثبت عيناه فوق صدرها أو ساقيها من الخلف، تحس بنظراته فوق ظهرها من دون أن تلتفت، لم يعد قلبها يخفق لأي رجل، انتهى حبها الأول وهي طالبة في كلية الآداب، وانتهت معه الخفقات تحت الضلوع، اقترن الحب في جسدها بالخوف منذ الطفولة.
يدعوها زيدان إلى الغداء في كافيتيريا الجورنال، يحفظ جميع النكات في البلد، ما إن يجلس أمامها حتى يسألها ضاحكا: سمعت آخر نكتة؟
ترد بسرعة: مش عاوزة أسمعها.
يمد عنقه ويهمس في أذنها بنكتة جديدة مقهقها بصوت عال. - أنت قليل الأدب يا زيدان.
يضحك بشدة أكثر كأنما تمدحه.
تفضل أن تتناول الغداء مع فؤادة أو وحدها في الكافيتيريا، أو في مكتبها، تأكل ساندويتش وتكمل كتابة مقالها، تقبل دعوة زيدان أحيانا أو زميل آخر، لا تعرف لماذا تقبل مثل هذه الدعوات، لماذا تتحمل صحبة مملة، ربما هو الحزن أو الاكتئاب الغامض منذ الطفولة، أو لأنها عاجزة عن الكتابة وشاعرة بالغضب من نفسها، لم تعد تشعر بمتعة أي شيء، حتى الكتابة فقدت لذتها، منذ طفولتها كان لها مفكرة تكتب فيها بلذة كبيرة، تخفيها في مكان سري، لم يكن لها متعة إلا الكتابة، لم تمارس العادة السرية في الطفولة أو المراهقة مثل بعض البنات، في المدرسة مقالها كل أسبوع في الجورنال أصبح واجبا ثقيلا على قلبها، الكتابة من دون إبداع مثل الجنس من دون حب، عمل تفرضه الحياة لمجرد الاستمرار في الحياة. - يا كوكب مش مصدقة ليه إني باحبك. - أنا مش فايقة لك النهارده يا زيدان. - ليه حصل إيه؟ - ماعرفش. - زعلانة من إيه؟ - ماعرفش. - الدنيا ما تستهلش يا كوكب خديها إيزي، عاوزة تاكلي إيه؟ - شوربة عدس وسلطة خضرا؟ - يا سلام ع الرجيم والرشاقة. - وإنت قررت تاكل إيه؟ - اسكالوب واسباجيتي وبابا غنوج وكريم كرامل للحلو. - إنت بقيت تخين زي الفيل يا زيدان.
يضحك بصوت عال مقهقها كأنما تمدحه. - إيه رأيك نتعشى سوا الليلة يا كوكب؟ - أنا مشغولة لميت سنة ع الأقل. - مشغولة بغيري؟ - ماعرفش. - مين هو؟ - ماعرفش. - يا كوكب أنا باحبك والله العظيم.
Unknown page