الحياة الكاذبة
ولذلك ينبغي على الإنسان لكي ينال الحياة الحقيقية أن ينكر حياة الجسد الكاذبة على الأرض ويعيش بالروح. (وعلى الأرض كما في السماء.)
فحوى الفصل السادس
لا فرق عند حياة الروح بين الأهل والأجانب الغرباء.
قال يسوع : إن أمه وإخوته ليس لهم عنده أهمية تذكر، وإنما هو يهتم بإخوته الذين يتممون مشيئة الآب العام لجميع البشر؛ لأنه لا تتوقف غبطة وسعادة الإنسان على الأهل والأقارب، بل على حياته الروحية، ثم قال أيضا: طوبى لأولئك الذين يضبطون كلمة الآب في نفوسهم؛ لأنه لا يوجد مسكن للإنسان العائش بالروح، ويسوع قال عن نفسه أن ليس له مكان يسند إليه رأسه؛ لأن إرادة الله يمكن إتمامها في كل مكان وزمان، ثم إن الإنسان الذي سلم نفسه ومحضها لخدمة الله فلا ينبغي عليه أن يخشى الموت الجسدي؛ لأن حياة الروح لا تتوقف على موت الجسد ومن يؤمن بحياة الروح فلا يخشى شيئا ولا يجب أن تحول بينه وبين الروح جميع اهتمامات هذا العالم وملذاته، ثم إن يسوع قال لذلك الذي طلب إليه أن يأذن له أولا أن يدفن أباه ثم يتبعه لاستماع تعليمه: «إن الموتى فقط يهتمون بدفن الموتى؛ لأن الأحياء يهتمون دائما أبدا بإتمام مشيئة الآب.»
ثم إنه لا يجب أن يحول أيضا الاهتمام بالأهل والأقارب بين الإنسان والروح، والذي يزعم أنه ماذا ينجم له عن خدمة الروح هو كالحراث الذي يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء.
ثم قال يسوع: إن من يسعى للحصول على الحياة الحقيقية المتوقفة على إتمام مشيئة الله ينبغي عليه ألا يهتم بهذه الحياة الدنيا، ويدبر شئون معيشته كما يريد، بل يطلب منه أن ينكر جميع ملذات الحياة وشهواتها، ويكون مستعدا في كل آونة لاحتمال العذاب والإهانة والاضطهاد.
إن ذلك الذي يهتم بحياة الجسد وشهواته يخسر الحياة الحقيقية الخالدة.
إن أعظم أمر يهلك حياة الروح هو حب المجد الباطل والسعي وراء تحصيل الثروة، والناس ينسون أنهم مهما جمعوا من المال والعقار معرضون للموت في كل ساعة؛ لأن الموت ملازم للإنسان كظله، فإن المرض وقتل الناس والمصائب المتعددة التي تصادف الإنسان تستطيع في كل ثانية إيقاف حركة الحياة، فالموت الجسدي هو من شروط الحياة الإنسانية الفانية.
ينبغي على الإنسان أن يضع نصب عينيه: أنه ضيف على هذه الأرض، لا بد له يوما من الأيام أن يرحل عنها، ومن الجهل والحماقة أن نتناسى هذا الأمر ونعرض عنه ، نحن أوتينا عقل نستطيع بواسطته أن ندرك ما يحدث على الأرض ويجري في السماء، ولكننا نتجاهل أننا نموت، ولو تذكرنا ذلك لما تهورنا في الملذات وكرسنا حياتنا لخدمة الجسد، ينبغي على كل إنسان أن يتروى ويتبصر دائما أبدا في المصير الذي يفضي إليه، فيظهر له جليا أن اتكاله على الجسد لا يجديه نفعا، وإنما ينال الغبطة والراحة إذا اتكل على مشيئة الله وسار بموجبها في هذه الحياة الدنيا، إن الله قد وهب الناس الحياة الحقيقية وهم يعرفونها ويسمعون صوتها، ولكن اهتمامات هذا العالم تحولهم عنها وتحرمهم إياها، فالحياة الحقيقية تشبه الوليمة التي أولمها الغني ودعا إليها أشخاصا معدودين، كما أن صوت الروح الآب يدعو إليه جميع الناس، ولكن بعض المدعوين لم يحضروا لاشتغالهم بتجارتهم، وبعضهم لاهتمامهم بأملاكهم، وبعضهم بأهله وزوجته، ولم يجب الدعوة غير الفقراء والمساكين الذين لا تشغلهم مشاغل الجسد، فحضروا الوليمة وفازوا بالسعادة، وهكذا فإن جميع الناس منغمسون بالشهوات والاهتمام، فحرموا نفوسهم من الحياة الحقيقية؛ فالذي لا يطرح الاهتمام بالجسد جانبا ذلك لا ينال الحياة الصالحة؛ لأنه لا يستطيع أن يخدم جسده والآب في آن واحد.
Unknown page