وأما العثرة التي تقود الناس إلى تعدي الوصية الخامسة: هي أن الناس يزعمون أنه يوجد فرق جسيم بين أهل وطنهم والناس الأغراب والأجانب، وعلى ذلك يجب عليهم اتقاء شر الأجانب والإضرار بهم إذا مكنتهم الظروف.
ومتى يتجنب الناس الوقوع في هذه العثرة ينبغي أن يعلموا بأن جميع الوصايا ترمي إلى غرض واحد أو أنها كلها مجموعة في وصية واحدة، وهي إتمام مشيئة الآب الذي أعطى الحياة والخير لجميع البشر؛ ولذلك ينبغي على كل واحد أن يصنع الخير لجميع الناس بقطع النظر عن الجنس؛ حتى مع وجود بعض الناس الذين يفرقون بين الغريب والقريب، ووجود بعض الأمم التي تشهر الحروب على الأمم الأخرى، وتسفك دماء رجالها هدرا، وينبغي على كل إنسان ألا يوجه التفاته إلى ذلك، ولا يعلق عليه كبير أهمية، بل ما عليه إذا شاء إرضاء الآب إلا أن يصنع الخير لكل إنسان ولو كان من أمة غريبة واشترك في حرب ضد أمته ووطنه.
ثم ينبغي على الإنسان لكي لا يسقط في ضلالات هذا العالم ألا يفتكر مطلقا بالأمور الدنيوية، ولا يعتني بشهوات الجسد، بل يوجه التفاته وفكره إلى الأشياء الروحية العلوية السامية، وإذا أدرك بأن الحياة الحقيقية لا تنال إلا إذا أتم في الحال إرادة الله، فلا يرهب مع ذلك الموت ولا العذابات ولا الاضطهاد، ولا ولا ... إلخ إلخ، ولا ينال الحياة الخالدة إلا ذاك الذي في كل ساعة يكون مستعدا لتضحية حياته الأرضية على مذبح إرضاء الآب وإتمام إرادته، ثم قال يسوع بشأن الحياة الخالدة التي لا يبيدها الموت ولا يفنيها الفناء ما مؤداه: لا ينبغي أن نفهم بأن الحياة الخالدة تشبه الحياة الحاضرة، وأنها محصورة في زمان أو في مكان؛ لأن الحياة في سلطان الله غير مقيدة بمكان أو زمان؛ لأن الذين أقبلوا على الحياة الحقيقية يعيشون حسب مشيئة الآب غير المحصورة في زمان أو مكان، وإذا ماتوا من أجلنا فهم أحياء لله؛ ولذلك فإن جميع الوصايا محصورة كلها في وصية واحدة، وهي أن يحب الناس بكل قواهم أصل الحياة؛ ولذلك فإن كل إنسان يحمل في نفسه هذا الأصل.
ثم قال يسوع: إن أصل هذه الحياة هو المسيح الذي تنتظرونه، وإن كلمة أصل الحياة ليست معينة لأشخاص معلومين، بل إنها تعطى لجميع أبناء البشر، وكل ما يخفي هذه الكلمة عن الناس ويبعدهم عن تناولها فهو عثرة وضلال، ويجب عليكم أن تحذروا غش الكتبة، ولا تسمعوا أقوالهم، واحذروا غش الحكام وأرباب السلطات ولا تتكلوا عليهم، واحذروا غش معلمي الناموس الذين يدعون أنفسهم فريسيين فاحذروهم كثيرا؛ لأنهم يدعون دعوة باطلة، وأدخلوا على الدين عقائد كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان، ويجتهدون لتعليمكم إياها وإبعادكم عن الله الحقيقي، فهم بدلا من أن يعبدوا إله الحياة بالفعل قد وضعوا كلاما كثيرا يعلمونه للناس ولا يعملون شيئا، فاسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم؛ لأن الله يطلب العمل وليس الكلام، ولا يستطيع الإنسان أن يتعلم منهم شيئا لأنهم أنفسهم لا يعرفون شيئا، وإنما هم اتخذوا التعليم حرفة لتنفيذ أغراضهم ومآربهم الذاتية والحصول على ما يتمنون في هذه الحياة الدنيا، ويجب عليكم أن تعلموا أنه لا يستطيع أحد أن يدعو نفسه معلما للآخرين؛ لأن معلم الناس هو واحد فقط رب الحياة، أو بعبارة أخرى: كلمة الحياة؛ ولذلك فإن هؤلاء المعلمين الكذبة بدعوتهم تعليم الناس يضلون عن الحق ويضلون غيرهم عنه؛ لأنهم يعلمون الناس أن يعبدوا إلههم بالطقوس الخارجية، ويزعمون أنهم بإقسامهم وحلفهم اليمين يجلبون الناس إلى الإيمان وهم مشغولون دائما أبدا بالتظاهر فقط بالقداسة الخارجية، ولا ينظرون إلى ما في القلوب، فهم كالقبور المزينة من الخارج ولكنها من الداخل مملوءة نجاسة، وهم بالكلام يكرمون الشهداء والقديسين الذين اضطهدوهم وقتلوهم من ذي قبل، وهم ما زالوا إلى الآن يقتلون القديسين، وجميع العثرات تأتي بسببهم إلى العالم؛ لأنهم يدسون السم في الدسم ويعملون الشر باسم الصلاح، وعثرتهم هي أساس العثرات؛ لأنهم هزءوا بما هو مقدس في العالم، وسيبقون على ضلالهم إلى أجل غير مسمى، ويستمرون في فعل الشر وارتكاب المحرمات ويقودون الناس إلى الضلال والشرور ولكنه سيأتي وقت تهدم فيه جميع الهياكل وتزول عبادة الله الخارجية، ولا يبقى أثر للطقوس، وحينئذ يدرك الناس الحقيقة ويتحدون جميعا بالمحبة والإخاء وعبادة الله بالروح.
متى، 19: 13: فقدموا إلى يسوع مرة أولادا، غير أن تلاميذه جعلوا يطردونهم.
14: فقال يسوع: لا تطردوهم؛ لأنهم هم أحسن الناس وأعظمهم صلاحا، ولمثلهم ملكوت السموات فقط.
لوقا، 18: 17: لا ينبغي عليكم أن تطردوا الأولاد، بل يجب أن تتعلموا منهم؛ لأن من يريد أن يتمم مشيئة الله يجب أن يكون في سيره وأعماله كالأولاد الذين دائما أبدا يسيرون حسب منطوق الخمس وصايا التي علمتكم إياها، فالأولاد الصغار لا يشتمون أحدا، ولا يصنعون الشر للناس، ولا يضلونهم ولا يحلفون بشيء، ولا يقاومون الشر، ولا يفرقون بين القريب والغريب؛ ولذلك فهم أعظم من الكبار في ملكوت السماء.
متى، 18: 3: الحق أقول لكم: إنكم إذا لم تنكروا جميع عثرات الجسد وتصيروا كالأولاد، فلن تدخلوا ملكوت السموات.
5: ومن يفهم أن الأولاد أحسن منا حالا؛ لأنهم لا يتعدون وصايا الله، ذلك فقط يفهم تعليمي.
لوقا، 9: 48: ومن يعمل حسب تعليمي ذلك يتمم مشيئة الآب.
Unknown page