نسخ ذلك كلَّه آيةُ السيفِ في (براءة): ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]، فأبيحَ القتالُ في الأشهر الحرم وغيرها، وعلى هذا جماعة أهل العلم، إلا أن عطاءً ذهب إلى أنَّ الآية في الحَظْر مُحكمة، ولا يجوز عنده قتالٌ في الأشهر الحرم (١) .
والحجة فيما صار إليه الجمهور، أنَّ كل مهادنةٍ كانت، فقد نسختها آية السَّيفِ في (براءة)، وهي آخر ما أنزل في ذلك. قال النحَّاس (٢): «نُقلِ إلينا أن هذه الآية -يعني: قوله -تعالى-: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ٢١٧]- نزلت في جمادى الآخرة -أو في رجب-، في السنةِ الثانية من هجرةِ رسول الله ﷺ إلى المدينة، وقد قاتل رسول الله ﷺ هوازن بحُنينٍ، وثقيفًا بالطائف، في شوال، وذي القعدةِ، وذو القعدةِ من الأشهر الحرم، وذلك في سنة ثمانٍ من الهجرة» (٣)؛ يريد الاستدلال على أن الكفَّ في الأشهر الحرم منسوخٌ، والأشهر الحرم هي التي قال الله ﷿ فيها: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة: ٣٦] .