فَلِمِثْلِ هذا المعنى يحتمل أن يكون النبي ﷺ نهى عن ذلك، ألا تَرَى إلى قوله: «واسألوا الله العافية»، أي: لا تتمنوا المكاره، وأنتم لا تعلمون ما يؤول أمركم إليه فيها، ثم أمر ﷺ بالصَّبْر إذا وقع الابتلاء بذلك من الله -تعالى-، فذلك هو المنجاة والفوز في الآخرة والدنيا، فهذا وجهٌ ظاهرٌ حسنٌ، هو عندي أرجحُ وأَولَى وأَبْيَنُ في حملِ الكلام على هذا المعنى، والله أعلم.
في دواعي الصبر والتفويض، وما يستحب من الشجاعة
ويُذمُّ من الجُبن
قال الله -تعالى-: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ [التوبة: ٥١-٥٢]، وقال -تعالى-: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ﴾ [النساء: ٧٨]، وقال -تعالى-: ﴿قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤]، وقال -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلًا﴾ [آل عمران: ١٤٥] .
خرَّج مسلم (١)، عن أنسٍ، قال: كان رسول الله ﷺ أحسنَ الناس، وكان أجودَ
الناس، وكان أشجعَ الناس، ولقد فزع أهلُ المدينة ذات ليلة، فانطلق ناسٌ قِبَلَ الصوت، فتلقاهم رسول الله ﷺ راجعًا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرسٍ لأبي طلحة عُرْيٍ، في عُنقه السيف، وهو يقول: «لم تُراعوا، لم تُراعوا» . قال: «وجدناه بَحْرًا -أو: إنه لَبَحْر-» . قال: وكان فرسًا يُبَطَّأ.