خرَّج البخاري (١)، عن سهلٍ، قال: قال النبي ﷺ يوم خيبر: «لأُعطينَّ الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»، فبات الناس ليلتهم: أيهم يُعطى، فغدوا، كُلُّهم يرجوه، فقال: «أين عليٌّ؟»، فقيل: يشتكي عَيْنَيْهِ، فبصق في عينيه، ودعا له؛ فبرأ، كَأَنْ لم يكن به وَجَعٌ، فأعطاه، فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: «اُنْفُذْ على رِسْلِكَ حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأَنْ يَهْدِيَ الله بك رجلًا، خيرٌ لك من أن تكون لك حُمْرُ النَّعمَ» .
وخرّج مسلم (٢) عن ابن عونٍ قال: كَتبتُ إلى نافعٍ أسأله عن الدعاء قبل القتال، قال: فكتب إليَّ: إنما كان ذلك في أول الإسلام؛ قد أغار رسول الله ﷺ على بني المصطلق وهم غارُّون، وأنْعامُهم تُسقى على الماء، فقتلَ مُقَاتَلَتَهُمْ، وسبَى سَبيهم، وأصاب يومئذٍ جُويرية بنت الحارث. حدثني هذا الحديث: عبد الله بن عمر -وكان في ذلك الجيش-.
فتضمَّن ظاهرُ القرآن، ونصُّ حديث سهلٍ الأمْرَ بالدعاء إلى الإسلام قبل القتال، وجاء في حديث ابن عمر مباغَتَتُهم، والإغارةُ عليهم، وهم غارُّون، فوجب أن يرجع ذلك إلى اختلافِ أحوال الكُفّار، فيمن كان قد علِمَ بأمر النبي ﷺ، وما يقاتلهم عليه، داعيًا إلى الله -تعالى-، وإلى دين الإسلام، أو كان لم يعلم شيئًا من ذلك، والدليل على ذلك قوله في الحديث: «إنما كان ذلك في أول الإسلام»، يعني: دعاءهم قبل القتال، حيثُ كانوا جاهلين بأمرِ النبيّ ﷺ، وأحوالُ الكفار لا