In the History of Pre-Islamic Literature
في تاريخ الأدب الجاهلي
Publisher
مكتبة دار التراث
Edition Number
طبعة دار التراث الأول
Genres
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
اتصلت بالأدب الجاهلي منذ فترة طويلة، وأعجبني ما فيه من صدق العاطفة، وجودة التعبير، فأحببته، وشغفت به فاتجهت لدراسته والبحث فيه، فدرست شعر الحرب في العصر الجاهلي، وفي أثناء دراستي لهذا الموضوع، رجعت إلى كل مراجع الشعر الجاهلي، وبخاصة دواوين الشعراء الجاهليين، فرأيت من له ديوان من الشعراء قد يكون له روايات عديدة تختلف فيما بينها في عدد الأبيات، وترتيبها ومناسباتها، وطول القصائد وقصرها، وبعضها مشروح وبعضها بدون شرح، والمشروح منها، كثيرًا ما يكون فيه ألفاظ تحتاج إلى شرح وتفسير، لأنها كانت لغة عصر غير عصرنا الحاضر، فوددت لو نُسقت روايات كل ديوان، وجمعت في كتاب واحد، ووضعت في ترتيب يسهل على الدارس أو القارئ مهمته، أو يحببه في قراءته، ويساعده على معرفة قصد الشاعر في يسر وراحة؛ فأخرجت ديوان طرفة بن العبد، وقد جمعت فيه ما ظهر له من روايات، ورتبت قوافيه ترتيبا هجائيًّا، وجعلت لكل بيت رقمًا خاصا لتسهل الإشارة والرجوع إليه، ثم شرحته بلغة عصرنا الحاضر؛ ألفاظًا وإجمالًا، وأتبعت ذلك بدراسة تحليلية نقدية لشعره.
وفي أثناء كل هذه الدراسات كنت أرجع إلى كتب الأدب التي عنيت بالعصر الجاهلي، فلم أجد من بينها تاريخًا شاملًا لكل جوانبه، يتضمن كل ما يحتاج إليه القارئ أو الباحث، فكلها تترك موضوعات أساسية، أو تكتفي بإشارة عابرة إلى بعض الموضوعات أو الشخصيات لا تشفي غلة الباحث ولا تطفئ ظمأه، وبعضها يفيض في الحديث عن موضوعات لا تتصل بالأدب الجاهلي إلا عن بعد، مثل الحديث عن"كلمة أدب" وهذا أشد اتصالا بالنقد الأدبي، ومثل الحديث عن الساميين. لأن العرب منهم -والحديث عن الكتابة العربية- لأن الأدب الجاهلي دون بها، وظاهر أن هذين الموضوعين مما يتصل بتاريخ العرب العام، لا بالأدب الجاهلي وحده.
1 / 3
ومن كتبوا في تاريخ الأدب الجاهلي حتى الآن يتفقون جميعهم في اختيار بعض الشخصيات الأدبية ودراستها كنماذج لهذا العصر، يستنتجون منها خصائص هذا الأدب وسماته العامة وبذلك ينتهي عندهم تاريخ الأدب الجاهلي.
حقيقة: إن هذه الموضوعات مفيدة جدًّا، وقد بذل فيها أصحابها جهدًا يستحقون عليه كل شكر وتقدير. ولا شك أنها تعطي فكرة واضحة عن الأدب في هذا العصر بوجه عام، كما أنها تعطي نماذج ممتازة لدراسة الموضوعات والشخصيات الأدبية. ولكنها لا تتضمن كثيرًا مما يحب الباحث أن يعرفه عن تاريخ الأدب الجاهلي، كما لا تغنيه عن الرجوع إلى أمهات الكتب الأدبية والتاريخية لاستجلاء غامض أو استكشاف مجهول.
ففكرت في أن أضيف لبنة في صرح تاريخ الأدب الجاهلي الضخم، لعلها تلبي رغبة في نفس الباحث في هذا الميدان، وبخاصة طلاب الجامعات الذين هم في حاجة إلى معرفة ما في تاريخ الأدب الجاهلي من آفاق واسعة، وجوانب كثيرة متعددة يصلح كل منها لدراسة مستفيضة، فكان هذا الكتاب. وهو ثلاثة أقسام: الأول: عن العرب الجاهليين، وحياتهم وظروفهم من حيث كونها مؤثرات في الأدب، ويتضمن هذا القسم الحديث عن: معنى الجاهلية، وبلاد العرب الجاهليين، والعرب القدامى، وأنسابهم، ومنازلهم، وحياتهم ومعيشتهم، وحالتهم السياسية، والاجتماعية، والدينية، واتصالاتهم، ومعارفهم؛ وأما القسم الثاني ففيه فصول ستة، وهي: حقائق عامة عن الأدب الجاهلي، ولغته، وروايته، وتدوينه، ومصادره، وقضية الانتحال فيه. وفي القسم الأول لم أتحدث عن كل موضوع من موضوعاته إلا فيما يتصل اتصالًا وثيقًا بالأدب الجاهلي بخاصة، وقد يكون هناك ما يتصل بالأدب العربي بعامة لأن الأدب الجاهلي كان وما يزال أساس الأدب العربي في العصور التالية. وقد حاولت بقدر استطاعتي أن أجمع في هذا البحث ما أعتقد أنه سيكون كافيًا لدارس تاريخ الأدب الجاهلي بحيث يغنيه عن الرجوع إلى مصادر أخرى في هذا الموضوع، لاستكشاف مبهم، أو توضيح غامض.
وأما القسم الثالث فيشتمل على دراسة عامة للنثر والشعر وبيان خصائص كل منهما في العصر الجاهلي وأرجو أن أكون قد وفقت في الوصول إلى ما أردت، داعيا الله جل شأنه أن يعينني، ويوفقني في كل أعمالي وحياتي، إنه نعم المولى ونعم النصير.
علي الجندي
1 / 4
الجاهليون
معنى الجاهلية
...
معنى الجاهلية
الجاهلية: الزمان الذي كثر فيه الجهال، ويقول ابن خالويه: إن هذا الاسم حدث في الإسلام للزمن الذي كان قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم١.
وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم في أربعة مواضع:
١- قوله تعالى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ ٢.
٢- قوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ ٣.
٣- قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ ٤.
٤- قوله تعالى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ ٥.
ويبدو من تفسير هذه الآيات، أن المقصود بهذه اللفظة ما كان قبل مجيء الإسلام، ففي تفسير الآية الأولى، يقول الطبري: "ظن الجاهلية" من أهل الشرك بالله، شكًّا في أمر الله، وتكذيبًا لنبيه ﷺ، ومحسبة منهم أن الله خاذل نبيه، ومعمل عليه أهل الكفر به. ويقول في الثانية يعني أحكام عبدة الأوثان، من أهل الشرك، وعندهم كتاب الله فيه بيان حقيقة الحكم الذي حكمت به فيهم، وأنه الحق الذي لا يجوز خلافه. وفي الآية الثانية يتعرض لبيان المقصود بالجاهلية الأولى، ويذكر فيها أقوالا كثيرة؛ منها: أنها الزمن بين آدم ونوح؛ ومنها أنها ما بين نوح وإدريس، ومنها أنها ما بين نوح وإبراهيم، ومنها أنها ما بين موسى وعيسى، ومنها أنها ما بين عيسى ومحمد ﷺ مبيِّنًا ما كان في كل فترة من هذه الفترات من المنهيات المقصودة في الآية الكريمة وفي الرابعة، يقول: "حمية الجاهلية حين
_________
١ بلوغ الأرب "ج١" ص١٦.
٢ سورة آل عمران، الآية ١٥٤.
٣ سورة المائدة الآية ٥٠.
٤ سورة الأحزاب: الآية ٣٣.
٥ سورة الفتح، الآية ٢٦.
1 / 7
جعل سهيل بن عمرو في قلبه الحمية فامتنع أن يكتب في كتاب المقاضاة الذي كتب بين رسول الله ﷺ والمشركين، بسم الله الرحمن الرحيم، وأن يكتب له: محمد رسول الله، وامتنع هو وقومه من دخول رسول الله ﷺ مكة عامه ذلك: وقال: حمية الجاهلية، لأن الذي فعلوا من ذلك كان جميعه من أخلاق أهل الكفر، ولم يكن شيء منه مما أذن الله لهم به ولا أحد من رسله.
وفي السنة ورد لفظ الجاهلية كثيرًا، من ذلك قول النبي ﷺ، لأبى ذر حين عير رجلًا بأمه: "إنك امرؤ فيك جاهلية". ومما ورد فيه من الأقوال المأثورة، قول عمر بن الخطاب ﵁: "إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة" وقول عائشة ﵂: "كان النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء"، وقولهم: "يا رسول الله كنا في جاهلية وشر"، فالمقصود في هذا كله، حال جاهلية، أو طريقة جاهلية، أو عادة جاهلية ونحو ذلك.
ولفظ الجاهلية وإن كان في الأصل صفة، فقد غلب عليه الاستعمال حتى صار اسمًا، ومعناه قريب من المصدر.
والجاهلية، من حيث الاشتقاق اللغوى: مصدر صناعي، مأخوذ من "الجاهلي" نسبة إلى "الجاهل" المشتق من "الجهل". والجهل، في اللغة نقيض العلم. ويقول الألوسي: هو عدم العلم، أو عدم اتباع العلم.. فمن قال خلاف الحق، عالمًا أو غير عالم، فهو جاهل، ويقول: قال أصحاب محمد ﷺ: كل من عمل سوءًا فهو جاهل، وإن علم أنه مخالف للحق. وسبب ذلك أن العلم الحقيقي الراسخ في القلب يمتنع أن يصدر معه ما يخالفه من قول أو فعل، فمتى صدر خلافه فلا بد من غفلة القلب بمقاومة ما يعارضه، وتلك أحوال تناقض حقيقة العلم، فتصير جهلًا بهذا الاعتبار٦. وعلى ذلك "فالناس قبل مبعث النبي ﷺ كانوا في حال جاهلية، جهلًا منسوبًا إلى الجاهل، فإن ما كانوا عليه من الأقوال والأعمال إنما أحدثه لهم جاهل، وإنما يفعله جاهل"٧. ويستدل على ذلك بما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس ﵄ أنه قال: "إذا سرك أن تعلم جهل
_________
٦ بلوغ الأرب جـ١ ص١٦.
٧ المرجع السابق، ص١٧.
1 / 8
العرب، فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ ٨.
فالجاهلية من حيث كونها اسمًا لزمن تطلق على الفترة التي كانت قبل بعثة النبي ﷺ ولا تطلق على زمن بعد هذه البعثة. أما من حيث كونها صفة فقد يوصف بها بلد غير إسلامي، وقد يوصف بها الشخص قبل أن يسلم، وقد يوصف بها شخص مسلم توجد فيه صفات الجاهليين، فهو جاهلي وإن كان من أهل الإسلام، بدليل قول النبي ﷺ: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن. الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة". وقوله ﵊ لأبى ذر لما عير رجلًا بأمه: "إنك امرؤ فيك جاهلية".
فالعرب على هذا كانوا قبل الإسلام جاهليين: في زمن جاهلي، وهم كانوا جاهلين، أي غير عالمين، أو غير متبعين ما يقتضيه العلم. وهل كان العرب قبل الإسلام حقا كذلك؟ إن هذا الرأي يفسر الجهل بما يناقض العلم، ويفسر الجاهل بغير العالم، أو بمن يفعل فعل غير العالم، ومقتضى هذا أن العرب قبل الإسلام لم يكن لديهم علم البتة، أو كان لديهم علم ولكن سلوكهم كان على غير مقتضاه. والظاهر أن الاحتمال الثاني هو الأقرب للصواب، بل هو الصواب، فلم يكن العرب في ذلك الوقت جاهلين جهلًا ينافي العلم، فقد ثبت أنهم كانوا أهل ذكاء ودراية وخبرة، وكان فيهم أذهان صافية، ونظرات صادقة في الطبيعة وأحوال الإنسان بما لا يقل عن بعض نظرات الفلاسفة والباحثين والمفكرين. ويحكي لنا التاريخ كثيرًا عما كان في جزيرة العرب في ذلك الوقت، مما يدل على أنهم حينئذ لم يكونوا في جهل تام، بل كانوا على شيء من العلم والتفكير.
فما يروى لهم من الشعر يدل على صفاء نفوسهم، وصدق عواطفهم، ورقة إحساساتهم ومشاعرهم، ووصول شعرهم إلينا وهو على هذه الحال من النضج والكمال يدل على أنهم كانوا قد قطعوا أشواطًا كبيرة، واستعملوا فيها عقولهم وتفكيرهم وأذواقهم في مجال التعبير والتصوير حتى وصلوا بفنهم إلى هذه الدرجة العليا من الدقة والعذوبة والجمال. ثم إن
_________
٨ المرجع السابق، ص ١٧.
1 / 9
ما تضمنه هذا الشعر، وما نسب إليهم من نثر: من معانٍ سامية، وأفكار ناضجة، وإشارات عديدة إلى شيء من العلم، وبخاصة في الطب يدل على عقلية ميالة إلى التفكير، قوية الملاحظة، وربما تكون هذه الإشارات من الأمور البدائية التي تعتمد على المصادفة، أو تستنتج عن طريق التجربة، ولكن هذا، ولا شك، يدل على يقظتهم ووعيهم، وتنبههم إلى ما حولهم، وقدرتهم على استكشاف ما في الكائنات من أسرار، وذلك كله لا يصدر عن جاهل ولا يكون إلا عن طريق العقل الكامل والتفكير السليم.
وأسلوب القرآن الكريم وهو في أرقى درجات الفصاحة، وأقوى مراتب البيان، يدل على ما كان لهم من تقدم ورسوخ في ميادين البلاغة وروعة التعبير، فقد كانوا يفهمونه ويدركون مقاصده، وأكثروا من الجدل والمناقشة حوله، وذلك لا يتسنى لجاهل ليس لديه شيء من علم أو معرفة أو خبرة أو دراية.
ثم إن آثارهم العظيمة التي يتحدث عنها التاريخ من مدن فخمة، ومبان شاهقة، وأعمال هندسية وفنية، ونظم في المعيشة، والسياسة، والتجارة والحروب وأدوات القتال وغيرها، وما قيل عن معارفهم وتجاربهم وخبراتهم في نواحٍ متعددة تدل على تفكير عقلي سليم، وإدارك قوي صحيح.
كل هذا ينفي عن العرب قبل الإسلام الجهل الذي ينافي العلم على الإطلاق، اللهم إلا إذا خصصنا هذا الجهل بناحية معينة، وهي الناحية الدينية، ففي هذه الحالة يكون وصف العرب قبل الإسلام بالجهل الديني وصفًا معقولًا، ومطابقًا للواقع. فالعرب قبل الإسلام كان فيهم المشركون والمجوس واليهود والنصارى وغيرهم، ولكنهم على العموم كانوا، قبل بعثة الرسول ﷺ في ضلال ديني، وظلام دامس في العقيدة، وما كانوا يعرفون الدين الصحيح، فلما جاء الإسلام كشف لهم الحقيقة وهداهم إلى الصراط المستقيم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، فأزاح عنهم جهل العقيدة، وأسبغ عليهم نور العلم بحقيقة الله، والعلم بالعقيدة الصحيحة والدين القويم.
هذا إذا فسرنا "الجاهل" الذي كان وصف العربي قبل الإسلام بغير العالم، أما إذا فسرناه بأنه من يفعل فعل غير العالم أي من يقول قولا، أو يعمل عملا يتنافي مع علمه، فإن هذا الوصف كذلك ينطبق على العربي، بوجه عام، قبل البعثة، فما أثر لهم من أقوال، وحكم، ونصائح، وأعمال، يتنافى مع ما أثر عنهم من سلوك في كثير من مظاهر الحياة،
1 / 10
كالعنف، والظلم، وسيادة القوة والسلاح والإسراف إلى حد الإتلاف، وتقديس ما لا يملك لهم ضرًّا ولا نفعًا.
هذا هو ما يمكن أن يقال عن الجهل الذي وصم به العرب قبل الإسلام إذا فسر الجهل بأنه ضد العلم. ولكن إذا فسر هذا الجهل بأنه ضد الحلم كان كذلك تفسيرًا سليمًا صحيحًا مطابقًا تمامًا لحال العرب قبل بعثة الرسول ﷺ، فالحلم سيد الأخلاق، وتندرج تحته جميع الخصال الحميدة، وأرقى درجات السلوك الإنساني الحكيم. والجهل الذى ينافي الحلم معناه: السفه والحمق والتهور وعدم القدرة على ضبط النفس، وسرعة الانفعال، واشتداد ثورة الغضب، والاندفاع في غير تريث ولا تفكير، وهذه كلها كانت صفات منتشرة بين العرب قبل الإسلام، فكان العربي يثور لأتفه الأسباب ويشعل نار الحرب إذا توهم إساءة، أو ظن ظنًّا، ولو خطأ، دون أن يتريث، أو يتحرى الحقيقة. وقد ورد استعمال لفظة "الجهل" ومشتقاتها في هذا المعنى كثيرًا. فمن ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ ٩. وقول النبي ﷺ: "إذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل". وقول عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فالجهل هنا يقصد به السفه والحمق والتهور وعدم ضبط النفس وفقدان سيطرة العقل، وعدم السلوك الحكيم.
ولكن لا ينبغي أن يغيب عن البال أن ذلك كان حال القوم في مجموعهم، لأنه لم يكن كل واحد منهم موصوفًا بهذه الصفات التي تتنافى مع العقل والحكمة والاتزان والروية، فقد كان هناك أفراد اشتهروا بالعقل السديد والرأي الصائب، وبعد النظر، وحسن السلوك والسيرة، وكانت سمتهم الظاهرة الحكمة، حتى إن العرب اتخذوهم حكامًا، يستشيرونهم في شئونهم ويحكمونهم في أمورهم، ومن هؤلاء، الأفعى بن الأفعى الجرهمي، وهو الذي حكم بين بني مرار في ميراثهم، وأكثم بن صيفي حكيم تميم وعالمها بالأنساب، وحاجب بن زرارة التميمي كذلك، وكان على معرفة تامة بأخبار العرب وأحوالها وأنسابها، وهو من مشاهير الفصحاء والبلغاء، وكذلك الأقرع بن حابس التميمي، وهاشم بن عبد مناف القرشي،
_________
٩ سورة الفرقان ٣ الآية: ٦٣
1 / 11
وعبد المطلب بن هاشم، وضمرة بن ضمرة النهشلي، وكان ذكيا فطنًا قوي العقل والتفكير، خبيرًا بأحوال العرب وأنسابهم، وذو الإصبع العدواني، وعامر بن الظرب العدواني، وعيلان بن سلمة الثقفي، وهرم بن قطبة الفزاري وسنان بن أبي حارثة المري، وربيعة بن حذار الأسدي، ويعمر بن الشداخ الكناني، والقلمس١٠ الكناني ومالك بن جبير العامري، وعمرو بن حممة الدوسي، والحارث بن عباد البكري.
ولم يقتصر الأمر على الرجال، بل كان من نساء الجاهلية من اشتهرن بالحكمة وحدة الذكاء وقوة العقل وسداد الرأي، ومنهن: ابنة الخُسّ الإيادية، وأختها جُمْعة، وصُحَر بنت لقمان، وخُصَيلة بنت عامر بن الظرب العدواني، وحذام بنت الريان، وهى التى قيل فيها:
إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام١١
وكان هؤلاء وأمثالهم يعرفون بين العرب بأنهم الحكام أو الحكماء.
وبهذا يكون الجهل الذي وصم به الجاهليون على وجه العموم، الجهل الديني، أو ما يتنافى مع صفات العالم الرشيد، أو ما ليس من سلوك الحليم ذي الرأي السديد.
_________
١٠ القلمس: ليس اسم علم، وإنما هي درجة واختصاص، عرف بها من كان ينشئ الشهور. وأول من عرف بها أبو ثمامة جنادة بن أمية الكناني. ومن معانيها السيد العظيم، والرجل الخير المعطاء، والمفكر البعيد الغور، والداهية من الرجال، وذلك من معانٍ تشير إلى صفات عالية في الرجل الذى أطلقت عليه. وقال المرزباني القلمس الأكبر هو عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة ... جاهلي قديم وهو أول من نسأ الشهور في الجاهلية. "الموشح ص ٨٣".
١١ راجع بلوغ الأرب للألوسي، وتاريخ اليعقوبي جـ١ ص ٢٥٨ ويقول المرزباني: إنها زوجة لجيم بن صعب، وهو القائل هذا البيت، ويروى لغيره. ويقول عن لجيم شاعر وأبو شاعر وعمه بلغاء بن قيس شاعر. "الموشح ص ٢٥٣".
1 / 12
بلاد العرب الجاهليين
تقع بلاد العرب في أقصى الجنوب الغربي من قارة آسيا، وهي التي تعرف بشبه الجزيرة العربية، ويحدها من الشمال بلاد الشام، ومن الشرق الخليج العربي، ومن الجنوب المحيط الهندي، ومن الغرب البحر الأحمر.
وكانوا قديمًا يقسمون هذه البلاد أقسامًا بحسب الارتفاع والانخفاض، وأهم الظواهر الطبيعية البارزة في شبه الجزيرة العربية هي سلسلة جبال السراة، وهي أعظم جبال العرب وأشهرها، وتخترق شبه الجزيرة من الجنوب إلى الشمال، على محاذاة الساحل الغربي، فتمتد من أقصى اليمن حتى تبلغ أطراف بوادي الشام، وتقسم شبه الجزيرة العربية قسمين، قسمًا شرقيًّا وآخر غربيًّا، ونظرًا لقربها من الساحل الغربي فإن انحدارها إليه شديد وقليل، وانحدارها إلى الجهة الشرقية خفيف وتدريجي. فما انحدر منها إلى جهة الغرب إلي شاطئ البحر الأحمر كان يسمى "الغور" أو "تهامة"، وهذه هي المنطقة الساحلية الغربية، وتمتد من أقصى الجنوب إلى خليج العقبة، وتقال أحيانًا مضافة إلى القسم الذي تحاذيه، فيقال: تهامة اليمن، وتهامة عسير، وتهامة الحجاز. وتضيق هذه المنطقة في بعض الأماكن وتتسع في أماكن أخرى، وأقصى اتساعها أربعون ميلًا. وأكثر هذه المنطقة شديد الحرارة، قليل الإنبات، وجميع المدن الساحلية تقع في هذه المنطقة١.
وما ارتفع بعد هذه الجبال إلى جهة الشرق، يسمى نجدًا. ومن هنا كان قولهم: "أغار وأنجد" أي ذهب إلى الغور والنجد.
وسلاسل جبال السراة نفسها سميت: حجازًا لأنها حجزت بين تهامة ونجد٢ ويتخلل أرض الحجاز كثبان رميلة وآكام خصبة، وهي مساكن القبائل، وحولها قرى وضياع، وبمنحدراتها توجد عيون مياه تنبت حولها بعض الحبوب ومراعي الماشية.
_________
١ قلب جزيرة العرب، ص٩.
٢ وقال الأصمعي: إنما سمي حجازًا لكثرة الحرار فيه، لأن أهل الحرة يحتجزون بها من الخيل "مفضليات أوروبا ٤١٥".
1 / 13
والجزء الذي ينتهي به نجد في الشرق حتى يصل إلى الخليج العربي، كان يسمى العروض، ويشمل البحرين واليمامة وعمان.
وكان القسم الجنوبي يسمى "اليمن" -وقيل سمي بذلك لأنه عن يمين الكعبة، وأحيانًا يسمى اليمن الخضراء لكثرة أشجارها وزروعها- وكان يشمل حضرموت والشحر.
وطول بلاد العرب من الشمال إلي الجنوب ١٤٠٠ ميل، وعرضها نحو ٨٠٠ ميل، ومساحتها نحو ١٢٠.٠٠٠ ميل مربع، وشواطئها قليلة بالنسبة إلى مساحتها لأنها منتظمة غالبًا، قليلة الخلجان والمواني الجيدة، وهي رملية منخفضة على سواحل الخليج العربي، صخرية وعرة تجاوزها الجزائر المرجانية والصخور الغائصة تحت الماء قليلًا أو كثيرًا على البحر الأحمر.
وشبه الجزيرة على العموم نجد كبير واسع الأطراف، يأخذ في الانخفاض التدريجي إلى الشرق، حتى ينتهي إلى أرض العراق والجزيرة والخليج العربي، وقلما تجد ناحية منها يقل ارتفاعها عن ١٥٠٠ قدم على سطح البحر، وفي اليمن والجهات الوسطى من نجد ما يصل ارتفاعه إلي ٧٠٠٠ قدم، وبها كثير من السلاسل الجبلية٣.
وفي القسم الجنوبي الشرقي من داخلية بلاد العرب بادية منخفضة، تعرف بالأحقاف أو الربع الخالي، وهي صحراء رملية، وفي الشمال توجد صحراء النفود وهي متصلة ببادية الشام وهي حصباوية صخرية.
وبلاد العرب قليلة المياه، ليس بها أنهار عظيمة، ويتخلل سلاسل الجبال الغربية بعض الجداول جارية إلى البحر الأحمر، وأكثرها أودية تنضب أيام الجفاف، بل وتذهب معالمها. ومناخ البلاد قاري، شديد الحرارة في أغلب فصول السنة لوقوع أكثر البلاد في المنطقة الحارة، وأكثر أمطار اليمن تقع بين منتصفي يونيه وسبتمبر، وأمطار عمان تسقط عادة بين منتصفي نوفمبر وديسمبر، حيث تكون الرياح الموسمية شمالية شرقية، وبلاد حضرموت توازي شواطئها هذه الرياح في رواحها وغدوها فلا تمطرها٤. وجبال الحجاز تهطل فيها الأمطار في الخريف، من أواخر أغسطس إلى أواخر ديسمبر وفي نجد تهطل في ديسمبر ويناير وفبراير٥.
والأمطار في بلاد العرب على العموم قليلة، ولذلك قلت فيها الأنهار، أو عدمت والسمة
_________
٣ تاريخ العرب القدامى: ص ٥.
٤ تاريخ العرب القدامى. ص ٦
٥ قلب جزيرة العرب. ص ٦٠.
1 / 14
الظاهرة في شبه الجزيرة العربية الجفاف، وقلة الزراعة والنباتات، ولذلك يهتم الناس جدًّا فيها بالأمطار، وينتظرونها بفارغ الصبر، ففيها الخير والحياة لهم ولأنعامهم، ومن ثم فهم يترقبون هطولها، ويتناقلون أخبارها، فيتطلعون إلى حركات السحب، والعواصف الجالبة لها، فإذا هطل الغيث سري عنهم، واطمأنوا على سنتهم أنها سنة خير وخصب. والبداة أكثر الناس اهتماما بالأمطار، يتوقعونها، ويستخبرون عن أماكن نزولها، لكي ينتقلوا إليها بماشيتهم التي هي عماد حياتهم، ونظرًا لأنهم أكثر الناس اهتمامًا بالأمطار تراهم يعلمون بالفصول ويقسمونها أقسامًا، ولكل قسم اسمه الخاص به٦.
وبطبيعة الحال توجد المراعي في الأماكن التي تسقط فيها الأمطار، ولكن الزراعة التي تستوجب استقرار السكان معها لا توجد إلا في البقاع التي تكثر فيها الأمطار أو ينابيع المياه، وكما في أغلب جهات اليمن، وفي الواحات التي توجد في الأودية والسهول فتبنى القرى حيث يسكنها أصحابها، ويقيمون فيها، ولا يظعنون عنها. وتوجد الأشجار في سفوح الجبال، ولكن ليس في بلاد العرب غابات، لأنها لا توجد إلا حيث تسقط الأمطار بغزارة وعلى الدوام، ويكثر النخيل في الحجاز، ولا يزال شجر اللبان يزدهر على الهضاب المحاذية للساحل الجنوبي لا سيما في مهرة، ويوجد في البادية: عدة أنواع من شجر السنط والأثل والغضا والطلح الذي يستخرج منه الصمغ العربي، كما توجد الكمأة، وأما شجرة البن التى تشتهر بها اليمن اليوم فقد أدخلت إلى بلاد العرب الجنوبية من الحبشة في القرن الرابع عشر٧، هذا إلى جانب أشجار الفواكه وغيرها التي تنبت في الأماكن الخصبة، مثل البطيخ، والعنب والتين والخوخ والسفرجل، والزيتون والورود.
ولقلة الغابات فيها قلت حيواناتها الوحشية، وإن كان يوجد في جبالها النمر والضبع والذئب وابن آوي، كما يوجد في صحاريها الحمار الوحشي والنعام والغزلان، وبقر الوحش والظباء.
أما الحيوانات الأهلية، فهى من أهم مصادر الثروة عند العرب، ومن أهمها: الإبل والخيل والغنم والمعز والبقر. كما يوجد فيها الكلاب والقطط.
وفيها من الطيور: الحمام، واليمام، والقطا. والغراب، والحدأة، والصقر، والنسر، والعقاب، والجراد في بلاد العرب كثير.
_________
٦ المرجع السابق ص٦١.
٧ فيليب حتى جـ١ص ٢٢.
1 / 15
ومن الزواحف: العقارب والثعابين والسلاحف.
ويصاد السمك من البحار، وهو في شواطئ عمان كثير جدًّا. ومثله السلاحف البحرية، ويستخرج اللؤلؤ من جهات عمان، والمرجان من سواحل البحر الأحمر.
والواحات، باستثناء مكة، منتشرة شرقًا في اليمامة ومنطقة الخليج العربي، أو غربًا في وادي القرى حتى تبلغ يثرب، وتلك هي مراكز القوافل التي تعين مراحل الطرق الطبيعية الكبرى ونهايتها.
وأهم الطرق على العموم طريق التوابل المعروفة منذ القرون الوسطى، وهي التي تبدأ من حضرموت مارة بمأرب، وتقف عند نجران، ثم تنشعب إلى طريقين، طريق تتجه نحو اليمامة فتصل الحيرة والفرات، والثانية تتجه نحو الشمال مارة بمكة ويثرب وواحات وادي القرى منتهية عند البطرة، وهذه أيضًا تنشعب إلى طريقين، تتجه الأولى إلى غزة، والثانية إلى بصرى ودمشق٨.
وطرق القوافل معروفة من قديم بين مكة والشام واليمن والعراق ومصر، وكان لتجارة الحبشة طريق مسلوك من جدة على البحر الأحمر إلى القطيف على الخليج العربي لجلب اللؤلؤ٩.
وكانت الرياح الموسمية سببًا في رواج الملاحة وتقدم التجارة منذ الأحقاب القديمة، وكانوا أولًا يسيرون بالقرب من الشاطئ، ثم تقدموا إلى جهة إفريقيا الشرقية، وما زالوا يتوغلون حتى بلغوا الهند الشرقي والهند الأقصى.
وكانوا ينقلون من الجنوب "اليمن وحوض المحيط الهندي وإفريقية الشرقية": اللبان والطيب والبخور والجلود وثياب عدن النفيسة وتوابل الهند ورقيق إفريقية والصمغ والعاج، كما كانوا ينقلون من الطائف: الزبيب، ومن مناجم بني سليم: الذهب كل ذلك كانوا ينقلونه إلى حوض البحر المتوسط، ويعودون محملين بالأسلحة والقمح والزيت والخمر والثياب القطنية والكتانية والحريرية١٠.
_________
٨ تاريخ الأدب العربي للدكتور بلاشير، وتعريب الدكتور إبراهيم الكيلاني ص٢١.
٩ تاريخ العرب القدامى ص٨.
١٠ تاريخ الأدب في العصر الجاهلي للدكتور شوقي ضيف ص ٧٦.
1 / 16
وحيث كانت توجد أسباب الرزق الثابتة، استقر القوم، فبنوا المدن والقرى، وأقاموا بها، ومن أشهر هذه المدن:
صنعاء في اليمن وهي العاصمة، وكان اسمها في الجاهلية: أزال. وصنعاء كانت تحاكي دمشق الشام لكثرة مياهها وأشجارها، وكان فيها قصر غمدان، وله غرف شهيرة يسمونها المحاريب، وهو محكم البناء عجيب الارتفاع، وفيه ما لا يوصف من الخزف والصنائع الغريبة. وفي اليمن قصور أخرى كثيرة، منها: ناعظ قصر ملوك همدان، وبينون: قصر بناه تبع الذائد بأرض عنتر، وصرواخ لسعد بن خولان، وقصر العشب، وقصر العنقاء، وقصر موكل في المشرق.
وفي اليمن زبيد، وهي قصبة التهائم، وموضعها في مستوى من الأرض، والبحر عنها أقل من يوم، وفيها نخل، وكان عليها سور دائر فيه ثمانية أبواب، وهي إلى القرب من صنعاء، ولها فرضة على البحر تسمى علافقة، وبينها وبين البحر خمسة عشر ميلًا. وإلى الجنوب منها على شط البحر أيضًا مدينة المخا التي يجلب منها البن.
وكانت توجد مدينة سبأ وهي مدينة مأرب. وتقع إلى الشمال الشرقي من صنعاء، وبينهما ثلاث مراحل، وكان بها سد مأرب ذو الشهرة التاريخية، وكانت مدينة طيبة الهواء، عذبة الماء، موفورة المتنزهات، كثيرة البساتين والخيرات، وبقربها وجد الباحثون من الفرنسيين والإنجليز سنة ١٨٧٥ الآثار المسطرة على الصخور بالخط المسند المعروف بالخط الحميري.
أما عدن فهي من مدن اليمن التهامية، وهي أقدم أسواق العرب.
ومدينة نجران فيها كعبة نجران، وهي قبة عظيمة، يقال إنها كانت تظلل ألف رجل، وكان إذا نزل بها مستجير أجير، أو خائف أمن، أو جائع أشبع أو طالب حاجة قضيت، أو مسترفد أعطي ما يريد.
ونجران قطعة عظيمة ذات نخيل وأشجار على القرب من صنعاء، ويقال: هي جبال من شمال اليمن إلى شمال صعدة، تبعد من صنعاء نحو عشر مراحل، وكانت من بلاد همدان بين قرى ومدائن وعمائر ومياه١١،
وكانت نجران سوقًا مهمة جدًّا، ومركزًا لتوزيع المنتجات، وتصدير التجارة إلى الخارج،
_________
١١ بلوغ الأرب جـ١ ص ٢٠٦.
1 / 17
ومنها تتفرع الطرق البرية التي يسلكها التجار في ذلك العهد إلى بلاد الشام أو العراق، ولمركزها الاقتصادي الخطير وفد إليها الغرباء، فجلبوا معهم اليهودية والنصرانية إلى اليمن، وفي هذا المكان اشتد التنافس بين الديانتين اليهودية والنصرانية، حتى تحول إلى مذابح سقط فيها صرعى من الجانبين، وكانت نجران أيضًا ذات شأن في الصناعة في اليمن١٢.
وفي اليمن صعدة، وكانت تسمى في الجاهلية "جماع" وتشتهر بالنصال الصاعدية،
وظفار من مشاهير بلاد اليمن، وبينها وبين صنعاء أربعة وعشرون فرسخًا، وعلى شمالها رمال الأحقاف التي كان بها عاد، وهي قاعدة بلاد الشحر ويوجد في أرضها كثير من النبات الهندي، وفيها بساتين، كما يوجد في سواحلها "العنبر"١٣.
ومن مدن الحجاز١٤ مكة، وهي بعد ثمانية وأربعين ميلًا من البحر الأحمر، وبها بيت الله الحرام، وكان مقصد جميع القبائل في موسم الحج كل عام، وتحيط بها الجبال فمن الشرق جبل أبي قبيس، ومن الغرب الجبل الأحمر، وكان يسمى الأعرف، وفي شرقيه قيقعان، ومن الجنوب جبل أجياد، ويسلك الناس إليها ومنها شعاب هذه الجبال، وهي في وادٍ صخري وصفه القرآن بأنه غير ذي زرع، فاعتمد أهلها على التجارة وقد كانت صلات تجار مكة بالروم والغساسنة والحبشة حسنة جدًّا١٥.
كما كان لموقع مكة، وظروفها الدينية وبخاصة عندما ساءت الحالة العامة في اليمن أثر كبير في انتعاش التجارة في مكة وكانت قبيل الإسلام مسكنًا لقريش، فمنهم من نزل حول الكعبة فسموا بقريش البطاح، وهم: هاشم، وأمية، ومخزوم، وتيم، وعدي، وجمح، وسهم، وأسد، ونوفل، وزهرة، وكانوا أصحاب النفوذ فيها، ومنهم من كانوا ينزلون وراءهم في ظاهر مكة فعرفوا بقريش الظواهر، وهم: بنو محارب، والحارث ابنا نهر، وبنو الأدرم بن غالب بن فهر، وعامة بني عامر بن لؤي، وغيره١٦، وكان معهم أخلاط من صعاليك العرب والحلفاء والموالي والعبيد، وكان أكثرهم من الحبشة١٧.
_________
١ جواد علي جـ٨ ص ١٩٩.
١٣ بلوغ الأرب جـ١ ص ٢٠٦.
١٤ يعدها بعض الباحثين من تهامة.
١٥ الأغاني، دار الكتب، جـ١ ص ٦٥
١٦ يعدها بعض الباحثين من تهامة.
١٧ تاريخ العرب لجواد علي جـ٤ ص ١٩١.
1 / 18
ومن مدن الحجاز يثرب، وكانت شمالي مكة على بعد ثلاثمائة ميل، وهي من البلاد القديمة الوضع والتأسيس، ففي كتاب نشر المحاسن اليمانية كانت مدينة يثرب للعرب، فخرج إليها قوم من بني إسرائيل في زمن موسى بن عمران ﵊ ففتحوها من العرب العاربة، وقتلوا ملكًا لهم يسمى الأرقم وأقاموا فيها ما شاء الله. حتى افترقت الأزد من مأرب في حادثة سيل العرم، فنزل الأوس والخزرج يثرب على الإسرائيليين ولهم ملك يقال لهم القطيعون فقتلوه، وكان قاتله سيد الحيين أعني الأوس والخزرج واسمه مالك بن العجلان. وهو ابن عم سالم بن عوف الخزرجي، فلما قتل الملك وقعت الصيحة باليهود، فقتلوهم أبرح القتل، وأبقوا منهم بعض القوم لعمارة الأراضي١٨ ويرى الدكتور جواد علي أنه ليس هناك سند على ما يرويه الأخباريون عن مجيء اليهود إلى يثرب في أيام موسى، ويقول: "أما ما يرويه بعض يهود الحجاز عن مجيء اليهود إلى المدينة عند ظهور ملك الروم على إسرائيل ففيه شيء من الحق"١٩. ويثرب تقع في وادٍ خصب تكتنفه المرتفعات، وتكثر فيه الآبار والعيون فكان جوها معتدلًا وكثرت فيها الزروع والأشجار والنخيل والثمار والخيرات فكانت من أمهات المراكز الزراعية ببلاد العرب.
وفي الحجاز كذلك الطائف، وهي على بعد خمسة وسبعين ميلًا من الجنوب الشرقي لمكة على ارتفاع ستة آلاف قدم، وتعتبر بستان مكة، ولفواكهها شهرة عظيمة، وكانت تنزلها قبيلة ثقيف، وكانت مصيفًا طيبًا للقرشيين، وقد عد الهمداني في كتابه "صفة جزيرة العرب" الطائف من تهامة اليمن، وقال إنها كانت مشهورة بالدباغ. وكانت حاصلاتها تشمل العسل والبطيخ والموز والعنب والتين والزيتون والخوخ والسفرجل واشتهر وردها بالعطر الذي كان يمد أهل مكة بما يحتاجون إليه من الطيب٢٠.
ومن بلاد الطائف عكاظ، وهي نخل في واد بينه وبين الطائف ليلة وبينه وبين مكة زادها الله تعالى شرفًا ثلاث ليالٍ، وبه كانت تقوم سوق العرب بالابتداء وبه كانت أيام الفجار، وكانوا يطوفون بصخرة هناك ويحجون إليها. وذو المجاز: ماء من أصل كبكب وهو لهذيل.
وقال أبو عبيدة الواقدي، عكاظ بين نخلة والطائف وذو المجاز خلف عرفة، ومجنة بمر
_________
١٨ بلوغ الأرب جـ١ ص ١٨٩.
١٩ تاريخ العرب قبل الإسلام: جـ٤ ص ١٨٢.
٢٠ تاريخ العرب لفيليب حتى، جـ١ ص١٤٣.
1 / 19
الظهران.. وفي الحجاز أيضًا من البلاد خيبر، وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام، وذكر أبو عبيد البكري: أنها سميت باسم رجل من العماليق نزلها. وكان فيها قبائل من اليهود المتعربة، وكانوا يوصفون بالمكر والخبث، وقيل كانت للعمالقة، ثم صارت لبني عنترة بن أسد بن ربيعة، وكانت رديئة الهواء كثيرة الوخامة دائمة الوباء.. وخيبر هذه كانت كثيرة النخل، يحمل منها التمر إلى الجهات القصوى٢١.. وإلى شرقي المدينة جبلا طيئ وهما أجا وسلمى، وذكروا أنهما اسما شخصين من العرب، وكان أحدهما وهو "أجا يعشق سلمى".
"ومن مدن تهامة: ينبع وهي مدينة قريبة من البحر كانت منزلًا لبني الحسن بن على بن أبي طالب.. وبقربها جبل رضوى الذي يحمل منه حجر المسن إلي الآفاق، وأما جدة فهي على البحر الأحمر، وهي فرضة "ميناء" مكة، والحديبية، قيل بعضها في الحل، وبعضها في الحرم، وتبوك على نصف المسافة بين المدينة ودمشق"٢٢.
وفي العروض: اليمامة، وهي مدينة أقل من مدينة الرسول ﷺ في المقدار.. وهي أكثر نخلا من بلاد الحجاز، وفيها مياه كثيرة ومنها كان مسيلمة الكذاب، ومنها أيضا زرقاء اليمامة، وكانت مشهورة بحدة البصر ومزيد من الفطنة والذكاء.
أما بلاد البحرين: فقطر متسع كثير النخل والثمار، والمشهور فيها من البلاد: هجر، وكانت هذه البلدة قاعدة البحرين، وخربها القرامطة عند استيلائهم على البحرين، وبنوا مدينة الأحساء، وهي مدينة كثيرة المياه والنخيل والفواكه٢٣. وعلى ساحل الخليج العربي كانت توجد الخط٢٤ المشهورة وإليها تنسب الرماح الخطية.
وفي نجد بلاد كثيرة وفيها أرض العالية التي كان يحميها كليب بن وائل، قال ابن الأعرابي: نجد اسمان: السافلة والعالية، فالسافلة ما ولي العراق، والعالية ما ولي الحجاز وتهامة.
_________
٢١ بلوغ الأرب جـ١ ص ١٩١-١٩٢.
٢٢ بلوغ الأرب ص ١٩٥.
٢٣ المرجع السابق ص ١٩٦.
٢٤ قيل الخط: جزيرة بالبحرين، وقيل غير ذلك "راجع شعر الحرب للمؤلف".
1 / 20
العرب القدامى
مدخل
...
العرب القدامى
العرب أحد الشعوب السامية، نسبة إلى سام بن نوح ﵇. وقد تحدث علماء اللغة والأدب والتاريخ عن وجه تسميه العرب بهذا الاسم١: يقول الألوسي: إنهم سموا بالعرب لاشتهارهم بالفصاحة والبيان من قولهم: أعرب الرجل عما في ضميره إذا أبان عنه٢. ويقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي: "إن اللفظة قديمة يراد بها في اللغات السامية معنى البدو والبادية وكانت هذه خاصية العرب في التاريخ القديم، ولكن لما تحضر بعضهم وسكنوا المدن وأقاموا فيها خصوا لفظة "العرب" بهؤلاء الذين يعيشون في المدن، وأطلق على سكان البادية "الأعراب" ولما جاء الإسلام أصبح لفظ الأعرابي يدل على الجفاء وغلظ الطبع، وبذلك خرجت الكلمة عن معنى البادية، ولكن الأعراب كانوا دائمًا معروفين بأنهم أهل الفصاحة، فكان الرواة يلتمسونهم ويحملون عنهم، ويرون فيهم أنهم أهل اللغة العربية الفصحى٣". وعلى كل فنحن نقصد هنا في دراستنا هذه بلفظة "العرب" جميع السكان الذين كانوا يعيشون في شبه الجزيرة العربية، سواء أكانوا حضريين أم بدويين، وإن كان من الجائز أن لكل من النوعين سمات خاصة تميزه عن النوع الآخر.
وقد اعتاد المؤرخون بوجه عام أن يقسموا العرب القدامى ثلاثة أقسام٤. ولكنهم يختلفون في تسمية كل قسم، فمنهم من يقول: بائدة أو عاربة ومستعربة وتابعة للعرب، ومنهم من يسميها بائدة وعاربة ومستعربة، ومنهم من يطلق عليها: عاربة وقحطانية وعدنانية، ومنهم من يجعلها: عاربة ومتعربة ومستعربة، والحقيقة أن الخلاف لفظي إذ إن المقصود بكل واحد من الأقسام الثلاثة واحد بين الجميع، فلا خلاف بينهم إلا في التسمية اللفظية فقط.
_________
١ راجع القاموس، وشرح القاموس، ولسان العرب.
٢ بلوغ الأرب جـ١ ص ٧.
٣ تاريخ آداب العرب جـ١ ص ٤٣.
٤ جعلهم ابن خلدون أربعة أقسام: عاربة، ومستعربة، وتابعة للعرب، وعرب مستعجمة، ويقصد بالقسم الرابع من له ملك بدوي بالمشرق والمغرب، وسموا بذلك لاستعجام لغتهم على اللسان المضري الذي نزل به القرآن الكريم.
1 / 21
ولنأخذ الآن في بيان هذه الأقسام من وجهة نظر التقسيم الأخير، وهو عاربة ومتعربة ومستعربة:٥ لخفته وسهولته.
العرب العاربة: هذا لفظ مشتق من العرب، ربما يقصد به التأكيد للمبالغة، فالعاربة هنا إما بمعنى الراسخة في العروبة، كما يقال "ليل لائل، وصوم صائم"؛ وإما بمعنى الفاعلة للعروبية أو المبتدعة لها، لكونها أول أجيالها٦. وهذا القسم يسمى أيضًا "العرب البائدة" بمعنى الهالكة، لأنهم بادوا ودرست آثارهم، ولم يبق على وجه الأرض أحد من نسلهم. ويذكر المؤرخون أن هذا القسم كان يتكون من شعوب كثيرة منها: ١- عاد: وكانت مساكنهم بالأحقاف "بين اليمن وعمان إلي حضرموت والشحر"، ويقال إنهم كان لهم دولتان عظيمتان: عاد الأولى، وعاد الآخرة، ويقولون إن عادًا الأولى كانوا أيام تحتمس الثالث من ملوك الدولة الثانية عشرة المصرية، ولما عظم أمرهم طغوا وبغوا، وعبدوا الأوثان، فبعث الله إليهم هودًا ﵇، فمنهم من آمن به. ومنهم من كفر، فأرسل الله على الكافرين ريحًا عاتية أهلكتهم ودمرت ملكهم، ونجى الله هودًا ومعه من آمن به وهم عاد الآخرة حتى انقرضوا. ومن أعظم ملوك عاد: شداد الذى تنسب إليه أعمال عظيمة، وفتوح واسعة، منها بناء مدينة إرم في صحارى بلاد عاد، ويقال إنه كان تشييدها بالحجارة الكريمة، وتزيينها بالجواهر واللآلئ، ويقول ابن خلدون: "ليست هناك مدينة اسمها إرم وإنما هى خرافة، وإرم قبيلة لا مدينة"٧. ٢- ثمود: وهؤلاء كانت ديارهم في الحجر ووادي القرى بين الحجاز والشام، وكان _________ ٥ وقد سار عليه السيوطي: المزهر جـ ١ ص ٣١. ٦ بلوغ الأرب جـ١ ص٩. ٧ قلب الجزيرة العربية ص ٢١١.
العرب العاربة: هذا لفظ مشتق من العرب، ربما يقصد به التأكيد للمبالغة، فالعاربة هنا إما بمعنى الراسخة في العروبة، كما يقال "ليل لائل، وصوم صائم"؛ وإما بمعنى الفاعلة للعروبية أو المبتدعة لها، لكونها أول أجيالها٦. وهذا القسم يسمى أيضًا "العرب البائدة" بمعنى الهالكة، لأنهم بادوا ودرست آثارهم، ولم يبق على وجه الأرض أحد من نسلهم. ويذكر المؤرخون أن هذا القسم كان يتكون من شعوب كثيرة منها: ١- عاد: وكانت مساكنهم بالأحقاف "بين اليمن وعمان إلي حضرموت والشحر"، ويقال إنهم كان لهم دولتان عظيمتان: عاد الأولى، وعاد الآخرة، ويقولون إن عادًا الأولى كانوا أيام تحتمس الثالث من ملوك الدولة الثانية عشرة المصرية، ولما عظم أمرهم طغوا وبغوا، وعبدوا الأوثان، فبعث الله إليهم هودًا ﵇، فمنهم من آمن به. ومنهم من كفر، فأرسل الله على الكافرين ريحًا عاتية أهلكتهم ودمرت ملكهم، ونجى الله هودًا ومعه من آمن به وهم عاد الآخرة حتى انقرضوا. ومن أعظم ملوك عاد: شداد الذى تنسب إليه أعمال عظيمة، وفتوح واسعة، منها بناء مدينة إرم في صحارى بلاد عاد، ويقال إنه كان تشييدها بالحجارة الكريمة، وتزيينها بالجواهر واللآلئ، ويقول ابن خلدون: "ليست هناك مدينة اسمها إرم وإنما هى خرافة، وإرم قبيلة لا مدينة"٧. ٢- ثمود: وهؤلاء كانت ديارهم في الحجر ووادي القرى بين الحجاز والشام، وكان _________ ٥ وقد سار عليه السيوطي: المزهر جـ ١ ص ٣١. ٦ بلوغ الأرب جـ١ ص٩. ٧ قلب الجزيرة العربية ص ٢١١.
1 / 22
لهم في العلا ومدائن صالح منشآت عظيمة، وكانوا ينحتون بيوتهم في الجبال الصخرية وأرسل الله إليهم صالحًا ﵇ فكفروا به، وعقروا الناقة، فأخذتهم الرجفة. فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
٣- العمالقة: وكان يضرب بهم المثل في ضخامة الأجسام، وكان موطنهم عامة أرض تهامة الحجاز: "وهناك روايات تذكر أنهم كانوا منتشرين في بقاع كثيرة، وتحدث عنهم كثير من المؤرخين، وورد ذكرهم في التوراة في سفر التكوين"٨. ويقال إنه كان منهم فراعنة مصر، وجبابرة الشام الكنعانيون٩.
٤- مَدين: هم القوم الذين أرسل الله إليهم شعيبًا ﵇، ومدين أيضًا اسم البلاد التي كان يسكنها قوم مدين، وموطنهم إلى الشرق والجنوب الشرقي من مدينة العقبة، ومن حد وادي عرابة إلي منطقة جبال الحسمة من الشرق وإلي الجنوب حتى بلدة ضبا. وكانوا يعبدون الأوثان، ويقطعون الطرق، ويبخسون المكيال، فأرسل الله إليهم شعيبًا ﵇، فكفروا به، فأخذتهم الرجفة فهلكوا.
٥ - طَسْمٌ وجديس: كانت ديارهم في اليمامة، ويروي ابن هشام أن طسما نزلوا في اليمامة قبل جديس وذكر ابن خلدون أن ملك طسم كان غشومًا لا ينهاه شيء عن هواه، وكان مضرًّا لجديس ومستذلا لهم، وبلغ من عسفه أنه أمر ألا تزف بكر من جديس إلى بعلها قبل أن تبدأ به أولًا، فأثار ذلك حفيظتهم فقتلوه.
٦- عبد ضخم: كانت هذه القبيلة تسكن الطائف، ويقول ابن خلدون إنها أول القبائل العربية التي كتبت بالخط العربي.
٧- أميم: اختلف المؤرخون في هذه القبيلة، فمنهم من يعدها من العرب البائدة، ومنهم من يعدها من العرب الباقية، وأنها هاجرت من البلاد العربية إلي بلاد فارس. ويقول الطبرى: "ولحقت أميم بأرض وبار، فهلكوا بها، وهي بين اليمامة والشحر. ويقول عنهم ابن خلدون: "إنهم أول من بنى البنيان، واتحذوا البيوت والآطام من الحجارة وسقفوا بالخشب"١٠.
_________
٨ قلب الجزيرة العربية ص ٢١٦.
٩ تاريخ العرب القدامى ص ١١.
١٠ قلب الجزيرة العربية ص ٢٢٤.
1 / 23
٨- حضورا: يقال إن بلادهم كانت بالرس وجهات القصيم، وقيل إنهم كانوا بأرض السماوة، وأنها كانت عمائر متصلة ذات جنان ومياه متدفقة١١.
٩- حضرموت: كانت بالقسم المعروف باسمها من بلاد العرب.
١٠- جُرهم الأولى: كانوا على عهد عاد فبادوا، وكانت ديارهم باليمن.
العرب المتعربة: هم والقسم الثالث العرب المستعربة يكونون العرب الباقية، أي الذين عاشوا، وبقي نسلهم حيًّا. والعرب المتعربة يعرفون بعرب الجنوب أو الجنوبيين، أو عرب اليمن، أو اليمنيين، لأنهم كانوا يسكنون اليمن، وهي في جنوب شبه الجزيرة العربية، كما يعرفون بالعرب القحطانية، أو القحطانيين، نسبة إلى أبيهم قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام، ويقال إن قحطان هذا أول جد معروف للعرب، ورئيس ملوك اليمن الذي يروى عنه أنه أول من تكلم بالعربية١٢ من العرب الباقية، فيقال إنه تعلمها من العرب البائدة الذين كان معاصرًا لهم، فالمتواتر أن أوائل قحطان أدركت أواخر عاد وثمود١٣ كما يقال إن قحطان أول من اتخذ صنعاء اليمن دارًا للملك وكان ملكه حوالي سنة ١٨٤٥ق. م وإنه أول من قيل له: أبيت اللعن، وعم صباحًا. وقام بالملك بعده بنوه وأبناؤهم، فملك بعده ابنه يعرب، ثم ابنه يشجب ثم ابنه عبد شمس الملقب بسبأ وإليه تنسب الدولة السبئية، ويمتد عصرها بين ٧٥٠، ١١٥ ق. م على وجه التقريب في الحقبة الثانية من هذه الدولة أصبحت مأرب عاصمة المملكة، وهي على ارتفاع ٣٩٠٠قدم فوق سطح البحر١٤. وكان بها السد المشهور١٥ وكان "بين ثلاثة جبال" يصب ماء السيل إلى موضع واحد منها! وليس لذلك الماء مخرج إلا من جهة واحدة _________ ١١ مروج الذهب للمسعودي جـ٢ ص١٥١. ١٢ راجع كتاب العرب لابن قتيبة. ١٣ قلب جزيرة العرب ص٢٢٨. ١٤ تاريخ العرب، لفيليب حتى جـ١ ص٧٠. ١٥ يرى "كلاسر" أن عهده يرجع إلي سنة سبعمائة قبل الميلاد، ومن الكتابات الباقية على جدرانه يبدو أنه أدخلت عليه تحسينات وترميمات عدة في أوقات مختلفة. "جواد علي جـ٨ ص٣٣٦ عن دائرة المعارف الإسلامية".
العرب المتعربة: هم والقسم الثالث العرب المستعربة يكونون العرب الباقية، أي الذين عاشوا، وبقي نسلهم حيًّا. والعرب المتعربة يعرفون بعرب الجنوب أو الجنوبيين، أو عرب اليمن، أو اليمنيين، لأنهم كانوا يسكنون اليمن، وهي في جنوب شبه الجزيرة العربية، كما يعرفون بالعرب القحطانية، أو القحطانيين، نسبة إلى أبيهم قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام، ويقال إن قحطان هذا أول جد معروف للعرب، ورئيس ملوك اليمن الذي يروى عنه أنه أول من تكلم بالعربية١٢ من العرب الباقية، فيقال إنه تعلمها من العرب البائدة الذين كان معاصرًا لهم، فالمتواتر أن أوائل قحطان أدركت أواخر عاد وثمود١٣ كما يقال إن قحطان أول من اتخذ صنعاء اليمن دارًا للملك وكان ملكه حوالي سنة ١٨٤٥ق. م وإنه أول من قيل له: أبيت اللعن، وعم صباحًا. وقام بالملك بعده بنوه وأبناؤهم، فملك بعده ابنه يعرب، ثم ابنه يشجب ثم ابنه عبد شمس الملقب بسبأ وإليه تنسب الدولة السبئية، ويمتد عصرها بين ٧٥٠، ١١٥ ق. م على وجه التقريب في الحقبة الثانية من هذه الدولة أصبحت مأرب عاصمة المملكة، وهي على ارتفاع ٣٩٠٠قدم فوق سطح البحر١٤. وكان بها السد المشهور١٥ وكان "بين ثلاثة جبال" يصب ماء السيل إلى موضع واحد منها! وليس لذلك الماء مخرج إلا من جهة واحدة _________ ١١ مروج الذهب للمسعودي جـ٢ ص١٥١. ١٢ راجع كتاب العرب لابن قتيبة. ١٣ قلب جزيرة العرب ص٢٢٨. ١٤ تاريخ العرب، لفيليب حتى جـ١ ص٧٠. ١٥ يرى "كلاسر" أن عهده يرجع إلي سنة سبعمائة قبل الميلاد، ومن الكتابات الباقية على جدرانه يبدو أنه أدخلت عليه تحسينات وترميمات عدة في أوقات مختلفة. "جواد علي جـ٨ ص٣٣٦ عن دائرة المعارف الإسلامية".
1 / 24