Impact of Women's Work on Marital Support
أثر عمل المرأة في النفقة الزوجية
Publisher
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة
أثرُ عَملِ المرأة في النفقة الزوجية
بحث محكم قدم لحلقة البحث التي أقامها مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة بعنوان (نفقة الزوجة في ضوء متغيرات العصر)
إعداد
أ. د. عبد السلام بن محمد الشويعر
أستاذ الفقه المقارن
١٤٣٣ هـ - ٢٠١١ م
Unknown page
المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة
أثرُ عَملِ المرأة في النفقة الزوجية
بحث محكم قدم لحلقة البحث التي أقامها مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة بعنوان (نفقة الزوجة في ضوء متغيرات العصر)
إعداد
أ. د. عبد السلام بن محمد الشويعر
أستاذ الفقه المقارن
١٤٣٣ هـ - ٢٠١١ م
1 / 1
ح جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ١٤٣٢ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الشويعر، عبد السلام بن محمد
أثر عمل المرأة في النفقة الزوجية./ عبد السلام بن محمد الشويعر- الرياض، ١٤٣٢ هـ.
٦٤ص؛ ١٧ × ٢٤ سم،
ردمك: ٥ - ٠٣٩ - ٥٠٠٥ - ٦٠٣ - ٩٧٨
١ - المرأة العاملة ٢ - حقوق المرأة ٣ - النفقة (فقه إسلامي)
أ. العنوان
ديوي ٢٥٤.٣
٩٥٥٦/ ١٤٣٢
رقم الإيداع: ٩٥٥٦/ ١٤٣٢
ردمك: ٥ - ٠٣٩ - ٥٠٠٥ - ٦٠٣ - ٩٧٨
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 3
الطبعة الأولى
١٤٣٢ هـ
حقوق الطبع محفوظة
1 / 4
تقديم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فقد دأب مركز التميّز البحثي في فقه القضايا المعاصرة على عقْدِ حلَقات بحثية متخصصة في بعض الموضوعات المعاصرة، ومن تلك الحلقاتِ حلقةُ البحث التي عقدها المركز في ٨/ ٦ /١٤٣٢ هـ تحت عنوان "نفقة الزوجة في ضوء متغيرات العصر" وقد شارك فيها عدد من الأساتذة المتخصصين ببحوث تمت مناقشتها.
وكان من بين البحوث القيّمة التي قُدّمت في الحلقة بحث "أثر عمل المرأة في النفقة الزوجية" للأستاذ الدكتور / عبد السلام بن محمد الشويعر، وقد حظي باهتمام الأساتذة الحاضرين، ودارت حوله كثير من المناقشات، وقام المركز بتحكيمه فجاءت تقارير المحكَّمين مؤيدة ومشجعة على نشره، وها هو نقدمه للقراء الكرام. آملين أن يجدوا فيه ما يكشف غموض المسائل التي تناولها ويجلّيها، وأن ينفع الله به، ويجزل المثوبة للباحث ولكل من سعى في نشره.
والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
لجنة البحوث والنشر
1 / 5
مقدمة
الحمدُ لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ. أما بعد:
فهذا بحث يتناول (أثر عمل المرأة في النفقة الزوجية).
وهذه المسألة مِن المسائل الفقهية التي لم يتطرّق لها جُلّ فقهائنا المتقدمين، ويدلّ على ذلك تسميتها عند الفقهاء الذين تكلموا عنها -وهم مِن فقهاء القرن السابع الهجري- بـ (الواقعة) (١) أي النازلة التي حدث السؤال عنها، ممَّا يَدُلُّ على قلَّة تناولها في كتابات المتقدمين.
ولعلَّ السَّبب في عدمِ تعرّضهم لهذه المسألة -مع كثرة اهتمام المعاصرين بها- هو اختلاف طبيعة العمل في الأزمنة المتقدِّمة، مقارنةً بالأزمنة المتأخرة، إضافةً لتغيّر المعايير الاجتماعية الحاكمة للعمل وطبيعته، والظروفِ الاقتصاديّة والتنظيمية التي اختلفت عن ذي قبل حتى غدا عمل المرأة حقًّا لها تكفلُهُ الأنظمة الحقوقيّة في العالَم، في حين كان العرفُ عند الأوائل أن عمل المرأةِ مِن باب التكليف والمشقّة عليها، ولذا فإنهم قرروا أنه لا يلزم الزوجة العمل إذا أمرها زوجُها; لأن هذا من باب التكسب لا مِن باب العشرة (٢).
_________
(١) البحر الرائق ٤/ ١٩٥، حاشية ابن عابدين ٣/ ٦٣٤. نقلًا عن نجم الدين الزاهدي (ت ٦٥٨ هـ) وسيأتي النقل إن شاء الله.
وينظر أيضًا: مجمع الأنهر ١/ ٤٩٦.
(٢) ينظر مثلًا: حاشية الدسوقي ٢/ ٥١١، وعبارتُه: (المرأة لا يلزمها أن تنسج ولا أن تغزل ولا أن تخيط للناس بأجرة وتدفعها لزوجها ينفقها; لأن هذه الأشياء ليست من أنواع الخدمة وإنما هي من أنواع التكسب).
1 / 7
وفي المقابل نجد أن المعاصرين الذين كتبوا في المائة سنة الأخيرة عن هذا الموضوع قد أطالوا في الحديث عنه (١)، وإن كان الغالبُ على مَن كتب في هذا الموضوع النقلَ عن المتقدّم وتكرارَ ما ذكرَه، حتى رأى بعضهم أن هذا الرأي المتكررَ في كتبهم إجماعٌ، وأن الخروج عليه إنما هو جائزٌ استثناءً مِن باب السياسة الشرعيّة (٢).
وسأتناول هذا الموضوع من جانبٍ آخرَ مغايرٍ لجميع مَن كتب فيه، إذ سأتناول المسائل التي يُخرّج عليها الحُكم مما نصّ عليه الفقهاء، ومِن ثمّ مناقشةُ المناط الذي تُخرّج عليه المسألة.
ثم أُتبع ذلك بالآراءِ في هذه المسألة، مع الترجيح بينها.
ثم أختم بذكر الشروط التي تُستفاد من نصوص الفقهاء وأصولهم، مع التوسع في تحقيق مناط بعض الشروط بما يناسب الحال.
وقد جعلت هذه الدراسة في ثلاثة مباحث، على النحو التالي:
١. المبحث الأول: علة إسقاط النفقة عند الفقهاء (ما تُخرّج عليه المسألة)
وفيه مطلبان:
١. ١. نفقة المرأة الناشز.
١. ٢. تشطير النفقة بتبعّض النشوز.
٢. المبحث الثاني: آراءُ الفقهاء في إسقاط نفقة الزوجية بعمل المرأة
٣. المبحث الثالث: نطاق رأي الفقهاء في هذه المسألة
_________
(١) ولعل مِن أوّلهم وأشهرهم قدري باشا (١٣٠٦ هـ)، ومحمد زيد الأبياني (١٣٥٤ هـ)، وأحمد إبراهيم (١٣٦٤ هـ)، وغيرهم.
(٢) السياسة الشرعية في الأحوال الشخصيّة، د. عبد الفتاح عمرو ص ٨٨.
1 / 8
وفيه ثلاثة مطالب:
٣. ١. الشروط التي يلزم توفرها للحُكم بتشطير نفقة المرأة العاملة.
٣. ٢. مسقطات النفقة على المرأة العاملة بالكُلية.
٣. ٣. الأسباب التي تُوجب النفقة كاملةً للمرأة العاملة.
أسأل الله أن يخلص لنا النيّة، ويرشدنا للصواب، وأن ينفع بهذا العمل كاتبه وقارئه ..
1 / 9
المبحث الأول علة إسقاط النفقة عند الفقهاء
تمهيد:
الأصلُ عند الفقهاء أن علّة وجوب النفقة الزوجيّة هو المقابلة بينَ ما تبذله المرأةُ مما وَجَبَ عَليها مِن آثار عقد النكاح (١)، وبين ما يجب على الرّجلِ مِن الحقوق الزوجيّة، والأصل في ذلك قول الله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (٢).
فكما يجب على الزوج حقوقٌ -أحدها النفقة-، فإن المرأة تجبُ عليها حقوقٌ كذلك. بخلاف النفقة على الأبناءِ والقرابات فإنها تجب بناءً على الصّفة فلذا فإنها لا تنقطع إلا بالكفاية، بخلاف النفقة الزوجيّة فإنها تنقطع بعدد من الموانع.
فإذا أخلّ أحدُ الزوجين بمَا عليه مِن التزامٍ بالعقد مِن غير عذرٍ جاز للآخر الامتناع مِن أداء ما وجب عليه في مقابله، وهذا مطّردٌ في سائر الحقوق الزوجيّة المتنوعة.
ولذا تطرق الفقهاء لمسألة مَا يُقابل النفقةَ الواجبةَ على الزوج، مِن الحق الواجب على الزوجة; لإظهار المقابلة بينهما فإذا أخلّ أحد الزوجين بحقّ صاحبه
_________
(١) وقد فرّق الفقهاء بين المعاوضة، والمقابلة. وصحح المحققون من أهل العلم أن النفقة ليست من الأعواض، وإنما هي من باب المُقابلة لارتباط المرأة بحبال الرجل.
[ينظر: نهاية المطلب لإمام الحرمين الجويني ١٥/ ٤٤٦].
وهو معنى ما مال إليه الشيخ تقي الدين من أن المعقود عليه في النكاح ازدواجٌ كالمشاركة، فيكون من باب المشاركات دون المعاوضات [تقرير القواعد لابن رجب ٢/ ٢٨٩].
(٢) سورة البقرة، آية رقم ٢٢٨.
1 / 11
عليه جاز للآخر منعه مِن الحق الذي يُقابله.
* موجِب النفقة عند الفقهاء:
موجِب النفقة هو ما يَلزَم عندَ تحققِه إيجابُ النفقة على الزوج. فإذا انتفى
الموجبُ كان ذلك علّةَ إسقاط النفقة.
وللفقهاء مسلكان في بيان موجِب النفقة:
١: فمِنهم مَن يَرَى أن النفقةَ واجبةٌ بالعَقد فقط، وأنها ليست في مقابل منفعةٍ تبذلُها المرأة. وهو قولٌ عند الحنفيّة (١)، وأحد قولي الشافعية (٢)، وقولٌ عند المالكية (٣)، وإحدى الروايتين عن أحمد (٤)، ورأي الظاهرية (٥).
وعلّة ذلك عندَهم أن العقد سببُ الوجوب فيرتب الحُكمُ عليه، وما زاد على ذلك إنما هو أثرٌ مِن آثار العقد ولا يلزم من تخلفه سقوطُ باقي الآثار ومنها النفقة.
٢: ومِن الفقهاء مَن يَرَى أن النفقة واجبةٌ للمرأة في مُقابل أمرٍ زائدٍ على العقد - وهذا هو رأي جمهور الفقهاء (٦) -، إذ العقدُ وحدَه لا يُوجِبُ النَّفقَةَ، بل هو مُوجبٌ للمهر.
_________
(١) الجوهرة النيرة للحدادي ٢/ ١٦٤.
(٢) التهذيب للبغوي ٦/ ٣٣٧.
(٣) نص عليه الرجراجي في: مناهج التحصيل ٣/ ٥١٦.
(٤) شرح الزركشي على الخرقي ٦/ ١٨.
(٥) المحلى لابن حزم ١٠/ ٨٨.
(٦) وهو القول المعتمد في المذاهب الأربعة.
ينظر: العناية للبابرتي ٣/ ٣٩٧، مجمع الأنهر لشيخ زاده ١/ ٤٩٢، الكافي لابن عبد البر ص ٢٥٥ / روضة المستبين لابن بزيزة ١/ ٧٦٧، نهاية المطلب للجويني ١٥/ ٤٥٠، التهذيب للبغوي ٦/ ٣٤١، الكافي لابن قدامة ٥/ ٧٧، الشرح الكبير لابن أبي عمر ٢١/ ٤٦٨، شرح الزركشي على الخرقي ٦/ ١٨، معونة أولي النهى لابن النجار ٨/ ٥٨.
1 / 12
فلا بُدّ مِن أثرٍ مِن آثار العقد يكون في مقابل أثر النفقة. واختُلف في تحديد هذا الأمر:
أ/ فقيل: إن النفقة في مُقابل الاحتباس فقط، وهو قول الحنفيّة (١).
ب/ وقيل: إنها في مقابل التمكين (٢). وهو قولٌ عند المالكية (٣)، ومذهب الشافعية (٤).
ج/ وقيل: بل بمجموع الأمرين; التمكين والاحتباس معًا. وهو قول عند المالكية (٥)، ومذهب الحنابلة (٦) ويُعبّرون عنه بـ (التمكين التام)، وهذا القول هو الأقرب -والله أعلم-.
وبناءً على ذلك فإن الإخلال بهذا الموجِب يُعدُّ مُسقِطًا للنفقة، ويُسمّى
_________
(١) الهداية للمرغيناني (مع حاشية اللكنوي) ٣/ ٣٧٥، العناية للبابرتي ٣/ ٣٩٧، مجمع الأنهر لشيخ زاده ١/ ٤٩٢، الاختيار في تعليل المختار ٤/ ٥، البحر الرائق ٤/ ١٩٣.
والمراد بـ (الاحتباس): اللبث والمُقام في بيت الزوجيّة، وعدم الخروج منه حقيقةً أو حكمًا. [مجمع الأنهر ٢/ ٤٩٣].
ولذا عندَ الحنفية النشوز الحُكمي، بأن يكون البيت ملكًا للزوجة فتَمنع الزوجَ مِن دخوله [مجمع الأنهر ٢/ ٤٩٦، والمصادر السابقة].
(٢) وقد ناقش هذا القول بعض الحنفيّة. الهداية للمرغيناني (مع حاشية اللكنوي) ٣/ ٣٧٨.
والفرق بينه وبين علّة الاحتباس تظهر في صورة ما لو امتنعت المرأة من التمكين في بيت الزوج، فإن الحنفية القائلين بالاحتباس لا يسقطون النفقة، بخلاف هذا الرأي.
(٣) التلقين للقاضي عبد الوهاب ١/ ٢٩٩، الكافي لابن عبد البر ص ٢٥٥، روضة المستبين لابن بزيزة ١/ ٧٦٧، البهجة للتسولي ١/ ٥٠٢.
(٤) نهاية المطلب للجويني ١٥/ ٤٥٠، التهذيب للبغوي ٦/ ٣٤١ وصححه.
(٥) مناهج التحصيل، للرجراجي ٣/ ٥١٥.
(٦) الكافي لابن قدامة ٥/ ٧٧، الشرح الكبير لابن أبي عمر ٢١/ ٤٦٨، شرح الزركشي على الخرقي ٦/ ١٨، معونة أولي النهى لابن النجار ٨/ ٥٨.
1 / 13
"نشُوزًا"، فإذا نشزت المرأةُ بتركها التمكين أو الاحتباس سقطت نفقتها. وهذا التقريرٌ واضحٌ تفريعًا على الرأي الثاني.
وأمّا أصحابُ القول الأول (وهم القائلون بأن موجِب النفقة هو العقد) فإنّ منهم مَن يَرَى أن النشوز لا يكون مُسقِطًا للنفقة -وهم الظاهرية-; لتحقق الموجِب (١).
وأمّا مَن عدا الظاهرية فيرون أن العقد موجِبٌ للنفقة، وأن النشوز مُسقِط لها (٢).
أو يقولون: إن وجوب النفقةِ مشروطٌ بعدم النشوز (٣). وعلى ذلك فإنهم يوافقون أصحاب الرأي الثاني في كون النشوزِ علّةَ إسقاط النفقة، ويَرون أن إخلال المرأة بهذا الأمر (وهو التمكين، أو الاحتباس) وتقصيرَها في أدائِه يُعدُّ نشوزًا (٤).
وَبذا يَتبيّن أن علّة إسقاط النفقة عند الفقهاء هي (النشوز) وهذا معنى قولِهم: إن نفقة المرأة لا تسقط عن زوجها بشيءٍ غير النشوز (٥).
_________
(١) المحلى لابن حزم ١٠/ ٨٨. وسيأتي الخلاف في المسألة.
(٢) ينظر: الوسيط للغزالي ٦/ ٢١٤، المهمات للإسنوي ٨/ ٧٧.
(٣) نهاية المطلب للجويني ١٥/ ٤٤٧، الجوهرة النيرة للحدادي ٢/ ١٦٤.
(٤) ولذا فإن جمهور الفقهاء عندما يذكرون ثمرة الخلاف في كون موجب النفقة هل هو العقد أم الاحتباس والتمكين، لا يذكرون أن مِن آثاره سقوط نفقة الناشز.
فذكر الإسنوي في (المهمات ٨/ ٧٨) أن فائدة الخلاف في الضمان، وفيما لو حلف ما له مال. وذكر الآمدي من الحنابلة أنه إن قيل: إنها وجبت بالعقد واختلفا في النشوز فالقول قولها. وإن قيل: وجبت بالتمكين فالقول قوله [الفروع لابن مفلح ٩/ ٣٠٢].
(٥) الكافي لابن عبد البر ص ٢٥٥.
1 / 14
* علاقة عمل المرأة بمسألة النشوز:
نشوز المرأة وكونه مسقطًا للنفقة هي المسألة التي يُخرّج عليها عمل المرأة. إذ لا يُسقط النفقة شيءٌ غير النشوز (١).
والفقهاء عند تعديدهم لصور النشوز التي تُسقط النفقة نصُّوا على أن مِن صورِه: انتقال (٢) المرأة مِن منزل الزوج، أو سفرها بدون إذنه أو بدون حاجة (٣).
فنزّلوا على هذا التصرّف أحكام النشوز، ومنه سقوط النفقة.
ومن نصوصهم في ذلك:
- قال الحدادي (ت ٨٠٠ هـ) من الحنفية: (النشوز: خروجها من بيته بغير إذنه بغير حق) (٤).
- وقال ابن الحاجب (ت ٦٤٦ هـ) من المالكيّة: (تسقط النفقة بالنشوز وهو منع الوطء أو الاستمتاع والخروج بغير إذنه) (٥).
- وقال الغزالي (ت ٥٠٥ هـ) من الشافعية: (لو خرجت بغير إذنه فهي ناشزة ولو
_________
(١) الكافي لابن عبد البر ص ٢٥٥.
(٢) يُعبّر بعض الفقهاء بـ (الانتقال)، وبعضهم بـ (الخروج) بناءً على تحديد وتقدير مناط ما تسقط به النفقة.
(٣) ينظر للحنفية: الهداية للمرغيناني (مع حاشية اللكنوي) ٣/ ٣٧٨. وينظر للمالكية: جامع الأمهات ص ٣٣٢، مناهج التحصيل، للرجراجي ٣/ ٥١٥، لباب اللباب لابن راشد ١/ ٤٠٩. وينظر للشافعية: المهذب للشيرازي ٢/ ٢٠٤، البيان للعمراني ١١/ ١٩٥، العزيز للرافعي ١٠/ ٣٠، نهاية / المحتاج للرملي ٧/ ٢٠٥. وينظر للحنابلة: الكافي لابن قدامة ٥/ ٧٨، الشرح الكبير لابن أبي عمر ٢٤/ ٣٥٦، الإنصاف ٢٤/ ٣٥٦.
(٤) الجوهرة النيرة للحدادي ٢/ ١٦٥. وينظر: حاشية ابن عابدين ٥/ ٢٨٦.
(٥) جامع الأمهات لابن الحاجب ص ٣٣٢. وينظر: روضة المستبين ١/ ٧٦٧.
1 / 15
خرجت في حاجته بإذنه فلا) (١).
- وقال الحجّاوي (ت ٩٦٨ هـ) من الحنابلة: (مَن امتنعت من فراشه أو الانتقال معه إلى مسكن مثلها أو خرجت أو سافرت أو انتقلت من منزله بغير إذنه .. فهي ناشز) (٢).
ومن الفقهاء مَن تلطّف في اللفظ وعبّر بأن هذا الفعل شَبيهٌ بالنشوز (٣). والمؤدّى واحد.
وعندما نبحث في نفقة المرأة العاملة نجدُ أن المناطَ الفقهيَّ لهذه المسألة إنما هو في خروجها من بيت الزوجيّة بدون إذن -باتفاقٍ-، وليس المناط هو في ذات العمل أو طبيعته.
وعلى ذلك فإن المرأة العاملة تكون قد أخلّت بالتزام عقد الزوجيّة وهو (التمكين التام). فيكون خروجُها مِن بيتها مِن غير إذن زوجها ملحقًا بالصور التي ذكرها الفقهاء للنشوز; كما سبق.
وقبل التطرق لمسألة (أثر عمل المرأة على النفقة الزوجية)، فإنه لا بُدّ من التعرض لمسألتين فقهيتين مهمتين تُبنى عليهما هذه المسألة، وهما:
المسألة الأولى: نفقة النَّاشِز.
والمسألة الثانية: تبعيض النشوز.
والتنزيل على هَاتين المسألتين متوالٍ، إذ لا يتصوّر التخريج على المسألة الثانية إلا عندَ أخذ أحد الرأيين في الأولى; كما سيظهر.
_________
(١) الوسيط للغزالي ٦/ ٢١٥.
(٢) الإقناع للحجاوي ٣/ ٤٣٧.
(٣) كذا عبّر فقهاء الحنابلة فإنهم يرون مَن تخرج من بيتها أشبهت الناشز. [الكافي لابن قدامة ٥/ ٧٨].
1 / 16
وبمعرفة الخلاف في هاتين المسألتين يمكننا معرفةَ الآراء الفقهيّة المنصوصِ عليها والمخرّجة في مسألة نفقة المرأة العاملة، والتي سأذكرها في المطلبين التاليين إن شاءَ اللهُ تعالى.
1 / 17
١. ١. نفقة المرأة الناشز
(النشوز) هو: (معصية المرأة زوجَها فيما يجب له عليها من حقوق النكاح) (١).
وهذا الحدُّ يَشمَلُ سائر أسباب النشوز وصورِه. وقد توسّع الفقهاء في ذكر هذه الصور في موضعها من كتب الفقه.
* الاختلاف الفقهي في المسألة:
اختلف الفقهاء في لزوم نفقة المرأة حالَ نشوزها وامتناعها مِن أداء الحقِّ الواجب عليها بالنكاح على قولين:
القول الأول: أن المرأة إذا نشزت فإنه لا نفقةَ لها، وهو قولُ جمهور الفقهاء (٢).
وحُكِي إجماعًا (٣) وفيه نظر ظاهرٌ بالقول الثاني.
القول الثاني: أن النشوز لا يُسقط النفقة، بل تجب لها النفقة، وبه قال بعضُ
_________
(١) الكافي لابن قدامة ٥/ ٣٩٩.
(٢) وهو مذهب الفقهاء الأربعة وأصحابهم: ينظر للحنفية: الهداية للمرغيناني (مع حاشية اللكنوي) ٣/ ٣٧٨، حاشية ابن عابدين ٥/ ٢٨٧. وينظر للمالكية: المعونة للقاضي عبد الوهاب ٢/ ٧٨٢، جامع الأمهات لابن الحاجب ص ٣٣٢، مناهج التحصيل للرجراجي ٣/ ٥١٥، لباب اللباب لابن راشد ١/ ٤٠٩. وينظر للشافعية: البيان للعمراني ١١/ ١٩٥، العزيز للرافعي ١٠/ ٣٠، نهاية المحتاج ٧/ ٢٠٥. وينظر للحنابلة: الشرح الكبير لابن أبي عمر ٢٤/ ٣٥٦، الإنصاف ٢٤/ ٣٥٦، معونة أولي النهى لابن النجار ٨/ ٦٠، هداية الراغب ٣/ ٢٧٨.
(٣) ذكر الرّملي في (نهاية المحتاج ٧/ ٢٠٥)، أنها تَسقطُ بالإجمَاع!!. وقال الجويني [نهاية المطلب / ١٥/ ٤٤٦]: (لم يختلف العلماء أنها لو نشزت فلا نفقة لها في زمان النشوز).
وعبارة صاحب (الشرح الكبير ٢٤/ ٣٥٧): (لا تجب نفقة الناشز في قول عامة أهل العلم) وهذه العبارة أدقّ.
1 / 18
الفقهاء; كالحَكم بن عُتيبة (ت ١١٥ هـ) (١)، وابنِ حزم (ت ٤٥٦ هـ) (٢)، وهو قولٌ عند المالكية (٣).
وقد يُبنَى الخلاف في هذه المسألة على مسألة النفقةِ هل تجبُ بالعقدِ، أم بالتمكين -كما سبق-.
ولعلّ قولَ الجمهور هو الأقربُ بناءً على أن النفقةَ لا تجب دُفعةً واحدةً، وإنما تجب كُلّ يومٍ على حِدَةٍ بلا خلاف (٤)، مما يدلّ على أنها متعلقةٌ بكلٍ يومٍ على استقلاله فيما يُقابله مِن التمكين ونحوه (٥).
وقول الجمهور هذا هو ما سَنسير عليه في هذا البحث وسيكون عليه التفريع.
_________
(١) الإشراف لابن المنذر ١/ ١٢٣، البيان للعمراني ١١/ ١٩٥.
(٢) المحلى لابن حزم ١٠/ ٨٨.
(٣) روضة المستبين لابن بزيزة ١/ ٧٦٧، مناهج التحصيل، للرجراجي ٣/ ٥١٥، لباب اللباب لابن / راشد ١/ ٤٠٩، الكافي لابن عبد البر ص ٢٥٥ ونسب هذا لابن القاسم.
(٤) نفى الخلاف في (المهمات للإسنوي ٨/ ٧٧). وينظر: البحر الرائق ٤/ ١٩١، المغني ١١ /،٣٥٨ / معونة أولي النهى لابن النجار ٨/ ٤٦.
(٥) وينظر بسط الأدلة على سقوط نفقة الناشز في: شرح الزركشي على الخرقي ٥/ ٢٠.
1 / 19
١. ٢. تشطير النفقة بتبعّض النشوز
(التبعيض) هو التفريق والتجزئة (١).
والمراد بـ (تبعيض النشوز): أي أن لا يتحقق مِن الزوجة التمكين التام في كُلّ الأوقات، بل يحصل التمكين التام بعض اليوم، وتفوّته في باقيه.
وقيدنا ذلك باليوم الواحد; لأن النفقة الزوجيّة متعلقة بكُل يومٍ على استقلال -كما سبق-.
ويتصوّر تبعّض النشوز فيما إذا كانت المرأةُ تخرج نهارًا بدون إذنِ زوجها، وتأوي إلى بيت الزوجيّةِ ليلًا. فيَظهر لنا هنا أنه قد تبعّض النشوزُ -بخروجها دون إذن- بعضَ اليوم، لا كُلّه.
وأمّا (التشطير): فهو تنصيف الشيء إلى نصفين (٢).
والمراد بـ (تشطير النفقة): أن يُنقص مِن مقدار النفقةِ الواجبةِ على الزوج بسببِ تبعّض التمكين التام (٣).
ويكون تشطير النفقة باستحقاق المرأة لبعض نفقتها دون باقيه، وذلك بناءً على
التقدير العُرفي للنفقة، ثُمّ يُشطّر بعد ذلك.
ومَن يذهب لتشطير النفقة لهم رأيان: أحدهما: أن تشطير النفقة يكون بالأزمان، وعلى ذلك يُحسب عدد الساعات التي لم يحصل فيها التمكين التام، ويُنظر
_________
(١) أساس البلاغة للزمخشري (ب ع ض)، التوقيف على مهمات التعريف للمناوي ص ١٥٨.
(٢) تاج العروس للزبيدي ١٢/ ١٦٩.
(٣) معونة أولي النهى لابن النجار ٨/ ٦٠.
1 / 20
بالنسبةِ والتناسب مع مجموع ساعات اليوم.
والثاني: -وهو الأصح- أن المرأة تستحقُّ نصف نفقتها في جميع الصور، ولا تُعطى بقدر الأزمنة، لعسر التقدير بالأزمنة (١).
كما أنه لا بُدّ مِن تقييد التشطير بمَا يقبلُهُ من النفقات; فالسُّكنى غالبًا لا تقبل التشطير، بخلاف ما تُعطَاه المرأة مَالًا فإنه يَقبل التشطير، فلو كانت نفقةُ المرأة ألفًا، فتشطيرها أن تعطى نصفَها; خمسمائة، وهكذا.
* الخلاف في المسألة:
هذه المسألة مبنيةٌ على الخلاف في المسألة الأولى، إذ إنما تتفرّعُ على قول الجمهور بسقوط نفقةِ الناشز.
وقد اختلف الفقهاء في تشطير نفقة المرأة عند تبعّض نشوزها على رأيين:
القول الأول: أن نفقتها تسقط بالكُليّة، ولا تتشطّر. وهو قول الحنفية (٢)، والشافعية (٣)، ورواية عند الحنابلة (٤).
وهذا مبنيٌّ على أن موجب النفقة إنما هو التمكين الكامل، فلا يتحقق التمكين إلا كاملًا، وإذا تبعّض التمكين فإنه يكون ناقصًا، فلا تجب به النفقة.
القول الثاني: أن نفقتها لا تسقط، وإنما تُشطّر النفقة. وهو الصَّحيح مِن مَذهبِ الحَنابلَة (٥)، ووجه منقولٌ عن بعض الشافعية (١).
_________
(١) شرح منتهى الإرادات لابن النجار ٨/ ٦٠، حواشي الإقناع، للبهوتي ٢/ ٩٩٣.
(٢) البحر الرائق ٤/ ١٩٥، مجمع الأنهر ١/ ٤٩٦، حاشية ابن عابدين ٣/ ٦٣٤.
(٣) المهذب للشيرازي ٢/ ٢٠٦.
(٤) الإنصاف ٢٣/ ٣٥٨.
(٥) الفروع لابن مفلح ٩/ ٣٠٠، الإنصاف ٢٣/ ٣٥٨، معونة أولي النهى لابن النجار ٨/ ٦٠. حواشي الإقناع للبهوتي ٢/ ٩٩٣.
1 / 21