فهذا يبين أنه ليس في أهل الأرض أحق بمحبته ومودته من أبي بكر، وما كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أحب إلى الله، وما كان أحب إلى الله ورسوله فهو أحق أن يكون أحب إلى المؤمنين، الذين يحبون ما أحبه الله ورسوله كما أحب الله ورسوله. والدلائل الدالة على أنه أحق بالمودة كثيرة، فضلا عن أن يقال: إن المفضول تجب مدته، وإن الفاضل لا تجب مودته.
وأما قوله: "إن مخالفته تنافي المودة، وامتثال أوامره هو مودته، فيكون واجب الطاعة، وهو معنى الإمامة".
فجوابه من وجوه:
أحدها: إن كان المودة توجب الطاعة فقد وجبت مودة ذوي القربى فتجب طاعتهم، فيجب أن تكون فاطمة أيضا إماما، وإن كان هذا باطلا فهذا مثله.
الثاني: أني المودة ليست مستلزمة للإمامة في حال وجوب المودة، فليس من وجبت مودته كان إماما حينئذ، بدليل أن الحسن والحسين تجب مودتهما قبل مصيرهما إمامين، وعلي تجب مودته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن إماما، بل تجب وإن تأخرت إمامته إلى مقتل عثمان.
الثالث: أن وجوب المودة إن كان ملزوم الإمامة، وانتفاء الملزوم يقتضي انتفاء اللازم، فلا تجب مودة إلا من يكون إماما معصوما. فحينئذ لا يود أحدا من المؤمنين ولا يحبهم، فلا تجب مودة أحد من المؤمنين ولا محبته، إذا لم يكونوا أئمة: لا شيعة علي ولا غيرهم. وهذا خلاف الإجماع، وخلاف ما علم بالاضطرار من دين الإسلام.
الرابع: أن قوله: "والمخالفة تنافي المودة".
يقال: متى؟ إذا كان ذلك واجب الطاعة أو مطلقا؟ الثاني ممنوع، وإلا لكان من أوجب على غيره شيئا لم يوجبه الله عليه إن خالفه فلا يكون محبا له، فلا يكون مؤمن محبا لمؤمن حتى يعتقد وجوب طاعته، وهذا معلوم الفساد.
Page 98