ولما ذا روى عنه حتى أئمة القوم وأعلامهم ، أمثال مالك وأبي حنيفة والسفيانين وأيوب السختياني وشعبة وابن جريح وغيرهم؟ ، كل ذلك لما كان عليه من البعد عن مجتمع الناس الذي يجلب التهمة إليه بطلب الرئاسة والخلافة ، ولتستره في نشر العلم والأخلاق ، ولو لا ذلك لما ظهرت علومه وفضائله ، ولو لا ذلك لما عرف الناس شأن أهل البيت وحقيقة القرآن وعلوم الدين ، ولو لا ذلك لما وضح ما كان عليه أرباب السلطتين ، ولو لا ذلك لما بادت كثير من الفرق الباطلة ، وقامت الحجة عليها من ذوي الفقه والكلام ، ولو لا ذلك لما بلغت الشيعة سبعين مليونا ، وحلت في كل صقع واحتلت كثيرا من البلاد (1).
فمن هاهنا تعرف أثر التقية في خدمة الدين والشريعة ، ورد عوادي الظلم والضلالة ، وتعريف الناس حقائق الايمان ، وبطلان الشبهات والمبتدعات.
فلا أخالك بعد هذا البيان تصغي إلى شيء من الغمز في التقية ونسبة الشيعة إلى الباطنية من جراء ذلك التكتم في الاعتقاد ، والتستر في المذاهب.
وما كان هذا الإسهاب إلا لرفع النقاب عن محيا الحقيقة لمن يزعم أن التقية مجهولة المحاسن ، لأنها حجاب كثيف وعسى أن يكون ما وراء الحجاب ألف عيب وألف نقص ، ومن يتقي في عقيدته كيف يعرف الناس ما لديه ويرون جمال ما يضمره ، أترى يصح هذا الغمز والنبز بعد ما ألمسناك فوائدها ، وأريناك منافعها؟
على أن اليوم بفضل المطابع قد انتشرت علوم الشيعة وعقائدهم ، فأين الكتمان وأين الاتقاء؟ وما كان الاتقاء إلا في ذلك العهد يوم كانت الشيعة
Page 90