Ilm al-Takhreej wa Dawruhu fi Khidmat al-Sunnah al-Nabawiyyah - Abdul Ghafoor Al-Bushli
علم التخريج ودوره في خدمة السنة النبوية - عبد الغفور البوشلي
Publisher
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
Genres
مقدمة
...
علم التخريج ودوره في خدمة السنة
إعداد الدكتور عبد الغفور عبد الحق البلوشي
التمهيد:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ، وعلى آله الطيبين وصحابته المكرمين المجاهدين الذين لم يألوا جهدًا في نشر هذا الدين وتبليغه للعالمين، أما بعد:
فمن فضل الله سبحانه على هذه الأمة أن تكفَّل الله بحفظ هذا الدّين ومصادره وأصوله وذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩] كما أنه جعل وظيفة رسوله ﷺ بيان كل ما يحتاج إلى بيان في هذا الكتاب، فبيَّن وفسّر، وصار بيانه لازمًا لحفظ القرآن، ومن هنا هيأ الله تعالى لكتابه وسنة رسوله من يحفظونهما جيلًا بعد جيل، حفظًا في الصدور وحفظًا في السطور جنبًا إلى جنب، فالذين قاموا بخدمة الكتاب والسنة هم العدول الأثبات فما تركوا جانبًا من جوانب العلم تحتاج إليه الأمة إلاَّ قاموا بذلك، والعناية بالسنة لا تزال مستمرة من القرون المفضلة إلى يومنا هذا، وليست إقامة هذه الندوة إلاَّ نموذجًا لاهتمام المملكة بخدمة السنة والسيرة، إذ يقوم عدد كبير من الباحثين بالكتابة في موضوعاتها المختلفة، وكنت ممن دعي إلى ذلك، فتلبية للدعوة بالمشاركة في ندوة «عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية» التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ممثلة في مجمع الك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، بتقديم بحث في المحور الثاني: «عناية
1 / 1
المسلمين بالسنة والسيرة النبوية على مرّ العصور» الموضوع الثامن «علم التخريج ودوره في خدمة السنة» . فشمّرت عن ساق الجد مستعينا بالله تعالى ﷿ في كتابة هذا البحث، أسأل الله تعالى أن ينفع به المسلمين وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، إنّه سميع مجيب.
1 / 2
خطة البحث:
قسمت البحث إلى تمهيد ومقدمة وأربعة أبواب، وفي كل الأبواب فصول، ثم خاتمة. أما التمهيد ففي عناية الأمة بخدمة الكتاب والسنة وسبب الكتابة في هذا البحث.
أما المقدمة ففي معاني التخريج لغة واصطلاحًا، والكتب المؤلفة حديثًا فيه.
الباب الأول: أهمية التخريج والاستخراج وفوائده ونشأته.
وفيه فصلان:
الفصل الأول: أهمية التخريج والاستخراج وفوائده.
الفصل الثاني: نشأته وتطوره.
الباب الثاني: اهتمام العلماء بالتخريج وجهودهم في ذلك.
ويشتمل على مدخل وفصلين:
المدخل: بداية الاهتمام بالتخريج بشكل مؤلفات في القرن الرابع فما بعد.
الفصل الأول: جهود العلماء في تخريج الأحاديث الواقعة في كلام بعض المصنفين من أهل الفنون المختلفة.
الفصل الثاني: جهود العلماء في تخريج الأحاديث بدون تقيّد بكتاب معيّن وموضوع معين.
الباب الثالث: التخريج المبني على المتن والإسناد وطرق تخريجهما:
وفيه مدخل وفصلان:
المدخل: بيان الصعوبة في التخريج وشدة الحاجة إليه.
1 / 3
الفصل الأول: في التنبيه على بعض الأمور المهمة المتعلقة بالتخريج.
الفصل الثاني: طرق تخريج الحديث ووسائله: وفيه مدخل وثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التخريج عن طريق معالم السند.
المبحث الثاني: التخريج عن طريق معالم المتن.
المبحث الثالث: التخريج عن طريق الكلّ بالحاسوب.
الباب الرابع: دراسة إسناد الحديث ومتابعاته وشواهده.
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: في بيان بعض الأمور المهمة بين يدي الموضوع.
الفصل الثاني: دراسة الأسانيد والطرق وثمرتها، وخطواتها.
الفصل الثالث: في بعض الكتب المهمة المساعدة على دراسة الرواة.
الخاتمة.
1 / 4
المقدمة:
قبل أن أدخل في موضوع البحث أريد أن أُعرِّف التخريج لغة واصطلاحًا وإطلاقاته عند المحدثين، فأقول:
التخريج لغة:
التخريج مشتق من مادة خرج خروجًا، والخروج نقيض الدخول، وخارج كل شيء ظاهره. يقال: خرجت خوارج فلان إذا ظهرت نجابته (١) .
ومنه قوله تعالى: ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] أي كمثل زرع أبرز وأظهر مزروعه وطرفه (٢)، ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ [النازعات ٢٩] أي: أبرز وأظهر نهارها ونورها (٣) .
وقال ابن فارس: «فقولنا خرج يخرج خروجًا والخراج بالجسد ... والخروج خروج السحابة، يقال ما أحسن خروجها، وفلان خرّيج فلان، إذا كان يتعلم منه كأنّه هو الذي أخرجه من حدّ الجهل» (٤)، فكلّ ما ذكر يتضمن معنى الظهور، وورد الاستخراج والاختراج بمعنى الاستنباط أيضًا، ويقال أيضًا: وخرّجه في الأدب فتخرَّج فهو خِرِّيج (٥)، ومن ذلك خِرِّيج
_________
(١) لسان العرب (٢/٢٤٩، ٢٥٠) والقاموس المحيط (١/١٨٤) .
(٢) تفسير القرطبي (١٦/٢٩٤) .
(٣) معالم التنزيل للبغوي (٤/٤٤٥) .
(٤) معجم مقاييس اللغة (٢/١٧٥ – ١٧٦) .
(٥) القاموس المحيط (١/١٨٥) .
1 / 5
الجامعة، وذكر الدكتور بكر أبو زيد: أنّ معناه مشتق من: النفاذ والظهور والانفصال للشيء، من المكان الذي هو فيه إلى غيره سواء في الأعيان أو المعاني، ومَثَّل للأعيان: خروج السحابة وخروج الشمس من تحت السحاب وخروج الرّجل من داره، وللمعاني: قولهم: فلان يحب الخروج أي الظهور، ولهذا سمّي الخارجون عن طاعة الإمام خوارج (١)، وخرّج على وزن فعّل من فعله الرّباعي ومصدره التخريج، ومن هذا الرّباعيّ على أساس اشتقاقه الكبير، -وهو انفصال الشيء من المكان الذي هو فيه إلى غيره- قيل لعمل المحدث الذي يخرج الحديث من بطون الكتب «تخريج» (٢)، فمن هنا يظهر لنا مناسبة المعنى اللغوي للمعنى الاصطلاحي، وقد يَرِدُ التخريج بمعنى الإخراج والاستخراج أيضًا (٣) .
أمَّا اصطلاحًا:
فلم يتعرض له من ألَّفوا في التخريج، وقاموا بتخريج أحاديث في كتب فقهية أو تفسيرية ونحوهما مثل: الزيلعي والحافظ العراقي وابن حجر وغيرهم، وهذا ما جعل الباحثين يختلفون في التعريف الاصطلاحي للتخريج. ونذكر فيما يلي نموذجًا من بعض الإطلاقات لمعاني التخريج عند المحدثين، ثم ما ورد من المعاصرين من تعريفات اصطلاحية عندهم.
_________
(١) التأصيل لأصول التخريج (١/٥١) .
(٢) المصدر نفسه (١/٥٢) .
(٣) انظر: (١/٤) فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي (١/٢٠) .
1 / 6
إطلاقات التخريج عند المحدِّثين:
حيث ورد إطلاقه على معان: منها: الإخراج:
أي إبراز المحدِّث الحديث أو إظهاره بسنده إلى النبيّ ﷺ وروايته للناس. قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه (١) "ثم إنّا إن شاء الله، مبتدئون في تخريج ما سألت، وتأليفه على شريطه"، أي شرطه، فسمّى ﵀ عمله في إخراج الصحيح تخريجًا. وهكذا ينطبق هذا الإطلاق على غيره من المصنفات التي صنفها أصحابها بأسانيدهم مثل الصحاح والسنن والمسانيد، وغيرها من الكتب التي عنيت بذكر الأحاديث بالأسانيد، ولذا يقال عند النسبة إليها أخرجه البخاري، وأخرجه مسلم، وهكذا كان يطلق عند العلماء المتقدمين (٢) –بعد ظهور المصنفات المنهجية في السنة – على إيراد الحديث بإسناده في مصادر السنة، وهذا الاصطلاح قد خفت حِدَّتُه كثيرا عند المتأخرين (٣) .
وعلى هذا ينزل كلام ابن الصلاح (٤): وللعلماء بالحديث في تصنيفه طريقتان إحداهما: «التصنيف على الأبواب، وهو تخريجه على أحكام الفقه وغيرها ...» أي إخراجه وروايته للناس في كتبهم فهو مرادف له بهذا المعنى.
ويطلق أيضًا على إخراج الأحاديث من بطون الكتب وروايتها كما ذكر الدكتور الطحان (٥)، ونزل كلام السخاوي على هذا، حيث قال السخاوي:
_________
(١) (١/٤) .
(٢) ويُعَدُّ الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين رأس سنة ثلاثمائة، كما ذكر الذهبي في الميزان (١/٤) .
(٣) انظر: تحفة الخريج لإقبال، ١٣، ١٤ وكشف اللثام للدكتور عبد الموجود (١/٢٦) .
(٤) في علوم الحديث/ ٢٢٨.
(٥) في أصول التخريج/ ١١.
1 / 7
«والتخريج: إخراج المحدث الحديث من بطون الأجزاء والمشيخات، والكتب ونحوها وسياقها من مرويات نفسه، أو بعض شيوخه أو أقرانه أو نحو ذلك، والكلام عليها، وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين مع بيان البدل والموافقة ونحوهما ... (١») .
وذكر د. بكر أبو زيد أن السخاوي - رحمه الله تعالى - أشار في تعريفه المذكور إلى اختلاف حقيقة التخريج بتنوع طرقه واختلاف حقائقها (٢)، ثم ذكر أنه قد يُتوسع في إطلاقه - أي التخريج - على مجرد الإخراج والعزو
(٣) .
ومن اطلاقات التخريج: الانتقاء:
الفوائد والأجزاء وغيرها، ومنها تخاريج الخطيب البغدادي لعدد من الكتب، منها فوائد أبي القاسم النَّرْجِسي، تخريج الخطيب في عشرين جزءا.
«الفوائد المنتخبة الصحاح العوالي» لجعفر بن أحمد السراج القاري، تخريج الخطيب (٤) .
وينطبق التخريج بهذا المعنى على كل الكتب التي انتخبها المحدِّثون من المصادر الحديثية، وذكر الذهبي في ترجمة الجارودي الهروي (ت٤١٣هـ) أنه
_________
(١) فتح المغيث (٣/ ٣١٨) ط / بنارس.
(٢) التأصيل/ ٥٣.
(٣) المصدر السابق / ٥٤.
(٤) المصدر السابق/ ٥٧ وللمزيد انظر ثبت مؤلفات الخطيب اليوسف العش/ ١٢٣ وموارد الخطيب للدكتور أكرم العمري / ٨٥.
1 / 8
قال بعض الكبار: الجارودي أول من سنّ بهراة تخريج الفوائد وشرح الرجال والتصحيح (١) .
ولكن هذا المعنى لم ينتشر ولم يستمر فيما بعد، وصار في حكم المنسي.
وإنّما كثر استعماله في الأزمنة الأخيرة إلى وقتنا الحاضر بمعنى العزو والدلالة: أي عزو الحديث إلى مصادره التي خرجته والدّلالة على مواضعه مع بيان الحكم.
ذكر المناوي عند قول السيوطيّ: «وبالغت في تحرير التخريج» بمعنى اجتهدت في تهذيب عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الحديث، من الجوامع والسنن والمسانيد فلا أعزو إلى شيء منها إلاّ بعد التفتيش عن حاله وحال مخرجه، ولا أكتفي بعزوه إلى من ليس من أهله -وإن جلَّ– كعظماء المفسرين» (٢) أي: الذين يذكرون الأحاديث بدون إسناد، أمَّا الذّين يسندون الأحاديث فداخل في عزوه.
وهذا المعنى الأخير هو الذي شاع وذاع عند المتأخرين من المحدثين في القرون المتأخرة وكثر استعماله بعد أن بدأ العلماء بتخريج الأحاديث المبثوثة في بطون الكتب المختلفة، ولا سيما في الفقه والتفسير وغيرهما (٣) .
ومن إطلاقات المحدثين: الاستخراج أو المستخرج، وجمعه مستخرجات،
_________
(١) سير أعلام النبلاء (١٧/ ٣٨٥) وتذكرة الحفاظ (٣/١٠٥٥) .
(٢) فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي (١/٢٠) .
(٣) انظر: أصول التخريج ١٢ وتحفة الخرِّيج ١٠.
1 / 9
ذكر الذهبي في ترجمة الحافظ أبي عليّ الحسين بن محمد بن أحمد أنّه «خرج على الصحيحين» مستخرجًا حافلًا (١) .
وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه النكت فقال: «إنّ الحافظ أبا بكر محمد ابن عبد الله الشيباني المعروف بالجوزقي ذكر في كتابه المسمَّى بـ المتفق (أي الكبير) – أنه استخرج على جميع ما في «الصحيحين» حديثًا حديثًا، فكان مجموع ذلك خمسة وعشرين ألفَ طريق، وأربعمائة وثمانين طريقًا (٢) .
وكذا ذكر الذهبي وابن عبد الهادي أنّ «كتاب المتفق الكبير» نحو ثلاثمائة جزء (٣) .
وسيأتي الكلام على اصطلاح الاستخراج عند المحدثين وفوائده قريبًا.
وقد توسع د. بكر أبو زيد في معنى التخريج – بعد أن عدَّه من المشترك اللفظي – واستعماله عند المحدثين وغيرهم- حتى وصّلها إلى ثمانية عشر معنى واستعمالًا ختمها بلفظ «التخريج عند النحاة» (٤) .
تبيّن من خلال المعاني السابقة أنّ المتقدمين لم يُعَرِّفوا التخريج، بالمفهوم المصطلح عند المتأخرين، ولعلّ أقرب تعريف للتخريج الاصطلاحي عند المتأخرين ما تقدم ذكره عن السخاوي والمناوي؛ ولذلك اختلف المعاصرون الذين ألّفوا في أصول التخريج وقواعده في معنى التخريج اصطلاحًا.
_________
(١) سير النبلاء (١٦/٢٨٨) .
(٢) النكت على مقدمة ابن صلاح (١/٢٩٧) .
(٣) انظر: سير النبلاء (١٦/٤٩٤)، وطبقات علماء الحديث (٣/٢٠٨) .
(٤) انظر: التأصيل (١/٥٥ – ٦٤) .
1 / 10
التخريج في اصطلاح المعاصرين
عرّفه الطحان بقوله: «التخريج هو الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصلية التي أخرجته بسنده، ثم بيان مرتبته عند الحاجة» (١) .
وردَّ هذا التعريف الدكتور بكر أبو زيد، وقال: إن «هذا تعريف لطرق استخراج الحديث، ولا يمكن قبوله تعريفًا وحقيقة «للتخريج»، وتأباه صناعة الحدود والتعريفات» (٢) .
وعرفه البقاعيّ:
بقوله: «هو إظهار مواضع الأحاديث من مصادرها المسندة» (٣) .
ثم ذكر أنه لا يَرِدُ على تعريفه هذا أن بعض كتب التخريج فيها زيادات... كالحكم عليه صحة أو ضعفًا؛ لأنه لاحظ جوهر التعريف دون الزيادات، إذ إن هذه الزيادات لم يطَّرد وجودُها في كتب التخريج كافة (٤) .
فيرد على هذا التعريف ما أورد على التعريف السابق.
وعرّفه إقبال أيضا قريبا من تعريف الطحان المذكور مع تفاوت يسير في الألفاظ (٥) .
_________
(١) أصول التخريج له /١٢.
(٢) التأصيل/ ٨٩ تعليق ٣.
(٣) تخريج الحديث الشريف / ١٦.
(٤) المصدر نفسه/ ١٦، ١٧.
(٥) تحفة الخريج/ ١٦.
1 / 11
«هو عزو الحديث إلى من أخرجه من أئمة الحديث والكلام عليه بعد التفتيش عن حاله ورجال مخرجه» (١) .
وذكر الدكتور سعد بن عبد الله آل حميد أن تعريف التخريج الاصطلاحي: له ثلاثة تعريفات:
التعريف الأول:
إخراج الحديث وإبرازه للناس بذكر سنده ومتنه، فيقال: هذا حديث أخرجه البخاري، أي أبرزه وأظهره للناس بذكر سنده ومتنه كاملًا.
التعريف الثاني:
تخريج أحاديث كتاب معين، بذكر المخرِّج الحديثَ الذي ذكره صاحب ذلك الكتاب بسنده كما فعل الحافظ ابن حجر في كتابه «نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار» (٢) للنووي، فالنووي يورد فيه الأحاديث بدون ذكر الأسانيد مع العزو كما هو طريقته في رياض الصالحين، فخرج الحافظ ابن حجر أحاديثه حديثًا حديثًا بإسناده الطويل منه إلى النبي ﷺ، بتصرف يسير.
التعريف الثالث:
هو التعريف الذي أصبح الدارج عند متأخري زماننا عرَّفه بعضهم، ويعني بالبعض تعريف الطحان المذكور، الذي نقده د. بكر أبو زيد، ولعلَّ أدق تعريف له الذي ينطبق على أعمال التخريج عند العلماء هو ما عرَّفه الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد بقوله:
_________
(١) المدخل إلى تخريج الأحاديث والآثار / ١٢.
(٢) طبع الكتاب في مجلدين بتحقيق الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي، بمكتبة ابن تيمية ولم يكتمل بعد.
1 / 12
«هو معرفة حال الراوي والمروي، ومَخْرَجِهِ، وحكمه صحة وضعفًا بمجموع طرقه، وألفاظه» (١)، ثم قال: «هذا تعريف التخريج» بمعناه الدقيق وهو المراد عند الإطلاق، وهو «الطريقة الخامسة» (٢) من طرق التخريج وهي أعلاها» (٣)، وهذا التعريف هو الذي أراه دقيقًا بفن التخريج العمليّ عند أهله، وقريب مما ذكره د. بكر أبو زيد، تعريف الدكتور عبد الغني أحمد مزهر التميمي الثالث في كتابه «تخريج الحديث النبوي» (٤)، وإن كانت بقية التعريفات أيضًا ليست بعيدة وكلها تدور حول الحمى، لكنّ الاختيار وقع للأدق والأمثل منها، والله أعلم.
ولعله من المناسب بعد الانتهاء من عرض معنى التخريج اصطلاحًا أن أذكر الكتب والرسائل التي ألفت في هذا الموضوع.
_________
(١) التأصيل/ ٤١، ٥٢.
(٢) ذكرها المؤلف في المصدر نفسه/ ١٥٨ بقوله: ووظائف التخريج لها (أي: للطريقة الخامسة) خمس هي:
١- ذكر مخرج الحديث (الصحابي)، ٢- فالمتن، ٣- ثم العزو، ٤- معرفة الإسناد " دراسة الأسانيد "، ٥- فالحكم صناعة، ببيان مرتبته صحة وضعفا.
(٣) المصدر نفسه / ٥٣.
(٤) ص ٢٥.
1 / 13
أهم المؤلفات في «أصول التخريج» «وطرق استخراج الحديث» (١)
١- «حصول التفريج بأصول العزو والتخريج» لأبي الفيض أحمد بن محمد
ابن الصدِّيق الغماري (ت١٣٨٠هـ)، والكتاب مطبوع ولم أقف عليه لعدم توفره (٢) .
٢- «أصول التخريج ودراسة الأسانيد» للدكتور محمود الطحان (٣) .
٣- «كشف اللثام عن أسرار تخريج أحاديث سيد الأنام» للدكتور عبد الموجود عبد اللطيف (٤) .
٤- «طرق تخريج حديث رسول الله ﷺ) للدكتور عبد المهدي
عبد القادر (٥) لم أقف عليه.
٥- «أصول التخريج وطرق تخريج الحديث» للدكتور شاكر ذيب فيّاض (٦) .
٦- «منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها ويليه دراسة في تخريج الأحاديث» للدكتور وليد بن الحسن العاني (ت١٤١٦هـ) (٧) .
_________
(١) سواء أوقفت عليه أم لم أقف عليه أو ذكره د. علي بقاعي في تخريج الحديث ص ٢٠، والمؤلفات في هذا الموضوع ليست قديمة. وأكثر من ألفوا في التخريج ما زالوا على قيد الحياة. ومنهم من توفي.
(٢) نشر بالرياض بمكتبة طبرية.
(٣) نشر في بيروت، بدار القرآن الكريم، ١٣٩٨هـ.
(٤) نشر في مصر، بدار ابن تيمية، عام ١٩٨٥م.
(٥) نشر في مصر، بدار الاعتصام، عام ١٩٨٧م.
(٦) تخريج الحديث للبقاعي / ٢٠.
(٧) نشر في الأردن، دار النفائس عام ١٤١٨هـ.
1 / 14
٧- علم تخريج الأحاديث: أصوله، طرائقه، مناهجه للدكتور محمد محمود بكار (١) . ولم أقف عليه.
٨- «تخريج الحديث» للدكتور همام عبد الرّحيم سعيد (٢) . ولم أقف عليه.
٩- «تبسيط علم التخريج» للدكتور مصطفى سليمان الندوي (٣) لم أقف عليه.
١٠- «التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل» للدكتور بكر ابن عبد الله أبو زيد (٤) .
١١- «مفاتيح علوم الحديث وطرق تخريجه» لمحمد عثمان الخشين (٥) . ولم أقف عليه.
١٢- «فن تخريج الحديث» للدكتور عزّت علي عيد عطية، لم أقف عليه (٦) .
١٣- «المدخل إلى تخريج الأحاديث والآثار والحكم عليها» للدكتور عبد الصمد بن بكر عابد (٧) .
١٤- «تحفة الخريج إلى أدلة التخريج» تأليف: إقبال أحمد محمد إسحاق (٨) .
_________
(١) نشر بدار طيبة في الرياض عام ١٤١٨هـ.
(٢) نشر جامعة القدس المفتوحة في عمّان ١٩٩٦م.
(٣) نشر بدار الكلمة.
(٤) نشر بدار العاصمة في الرياض المجلد الأول عام ١٤١٣هـ.
(٥) نشر بمكتبة الساعي في الرياض.
(٦) هو مقال نشر في مجلة كليتي الشريعة والدعوة عام ١٤٠١هـ - ١٤٠٢هـ، السنة الثانية، العدد الثاني.
(٧) نشر بدار الفضيلة، بالرياض.
(٨) نشر بمركز القرآن والسنة، فريوا نرائن فور إله آباد يوبي الهند.
1 / 15
١٥- «طرق تخريج الحديث» للدكتور سعد بن عبد الله آل حميد (١) .
١٦- «تخريج الحديث النبوي» للدكتور عبد الغني أحمد مزهر التميمي وهي رسالة صغيرة الحجم.
١٧- «القول الصحيح في مراتب التعديل والتجريح» للمرتضى الزبيدي (٢) ولم أقف عليه.
١٨- «المفيد في تخريج الحديث ودراسة الأسانيد» تأليف محمد عجاج الخطيب (٣) ولم أقف عليه.
بعد هذا السرد للمؤلفات في فن التخريج، نعود إلى بيان أهمية التخريج وفوائده ونشأته وتطوره.
_________
(١) نشر بدار علوم السنة، ط/ الأولى عام ١٤٢٠هـ بالرياض.
(٢) انظر: فهرس الفهارس (١/٥٣٩) والتأصيل / ٩١ نشر الفرقان، الرياض ط/ الأولى عام ١٤١٠هـ.
(٣) ذكره في كتابه المختصر الوجيز / ٣١٠، طبع في عام ١٤١٠هـ.
1 / 16
الباب الأول: أهمية التخريج والاستخراج وفوائده ونشأته وتطوره
الفصل الأول: أهمية التخريج والأستخراج وفوائده
...
الفصل الأول: أهمية التخريج والاستخراج (١) وفوائده (٢)
وهي كثيرة ومتداخلة في أمور كثيرة:
ولا يخفى على أحد من أهل العلم أهمية أصول التخريج وشرف منزلته وذلك لأنّه أساس لمعرفة السنة النبوية التي عليها مدار فهم القرآن وتفسيره، حيث جعل الله ﷾ بيانه إلى الرسول ﷺ في قوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤]، فهي عليها مدار الأحكام وتفاصيلها، وبها يعرف الحلال من الحرام وغير ذلك، وأهم ثمرة لأصول التخريج هي حفظ السنة وصيانتها من الدّخيل عليها ومعرفة صحيح المتون من سقيمها ومحفوظها من شواذها ومنكراتها.
ولذا قال ابن المديني رحمه الله تعالى: «الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبيَّنْ خطؤه» (٣) .
_________
(١) الاستخراج في اصطلاح المحدثين هو أن يأتي المُحدّث إلى كتاب معيّن من كتب الحديث المسندة كصحيح البخاري مثلا فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه يلتقي معه في شيخه أو شيخ شيخه أو من فوقه ولو في الصحابي
(٢) انظر لفوائد التخريج والاستخراج الكتب الآتية:
علوم الحديث لابن الصلاح/ ١٩ -٢٠، إرشاد طلاب الحقائق للنووي (١/ ١٢٦)، والتقييد والإيضاح للحافظ العراقي، النكت على مقدمة ابن الصلاح للحافظ ابن حجر (١/ ٣٢١ – ٣٢٣)، وفتح الباري (٢/١٠٧)، وفتح المغيث للسخاوي (١/٤٦، ٢٧١)، (٣/ ٢٤٩- ٢٥٠)، (٣/ ٢٩٩ – ٣٠٠)، مقدمة محقق مختصر الأحكام للطوسي د. أنيس طاهر (١/ ٦٧-٦٩)، طرق تخريج الأحاديث للدكتور سعد بن عبد الله آل حميد (١٦- ٢١)، التأصيل للدكتور بكر أبو زيد (١/ ٦٨- ٨٠)، تخريج الحديث الشريف للدكتور علي بقاعي (٢٣ – ٢٤)، المدخل إلى تخريج الأحاديث للدكتور عبد الصمد بكر عابد (١٤ – ١٥) .
(٣) انظر: علوم الحديث لابن الصلاح/ ٩١، وفتح المغيث للسخاوي (١/٣٧١) .
1 / 18
قال أبو حاتم الرازي (١) – رحمه الله تعالى -: «لو لم نكتب الحديث من ستين وجهًا ما عقلناه»، وكذا ورد عن ابن معين مثله لكن بلفظ «ثلاثين» وورد عن غيرهم أيضًا: «الباب إذا لم تجمع طرقه لا يوقف على صحة الحديث ولا على سُقمه» (٢) .
وقال الخطيب (٣) البغدادي – رحمه الله تعالى-: «من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ وليأخذ قلم التخريج» .
وقال أيضًا: «قلّما يتمهر في علم الحديث، ويقف على غوامضه، ويستثير الخفي من فوائده، إلاّ من جمع متفرقه وألف مشتته وضم بعضه إلى بعض .... فإنّ ذلك مما يقوي النفس، ويُثبت الحفظ ... ويكشف المشتبه ويوضح الملتبس ...» .
وقال ابن دقيق العيد (٤) – رحمه الله تعالى -: «إذا اجتمعت طرق الحديث يُستدل ببعضها على بعض ويجمع بين ما يمكن جمعه ويظهر به المراد» .
ومن ذلك تُعْرَفُ أهمية التخريج وفوائده عند أهل الفن. وفيما يلي بيان لجملة (٥) من ذلك:
_________
(١) المصدر الأخير السابق (٣/٢٩٩) .
(٢) المصدر السابق (٣/٢٩٩-٣٠٠) .
(٣) الجامع لأخلاق الرّاوي (٢/٢٨٢) .
(٤) المصدر السابق (٢/٢٨٠) وعلوم الحديث ٣٧٤، تحقيق عائشة عبد الرحمن.
(٥) استفدتها من المصادر المذكورة في أول الموضوع.
1 / 19
١- من أهم هذه الفوائد بل هي ثمرته معرفة صحة الحديث وضعفه من جمع الطرق وتخريجها.
٢ - معرفة مظان الحديث في مصادره الأصلية، ومن ثَمَّ توثيق نص الحديث ورجاله، وضبط هذا النص.
٣ - معرفة كون الحديث فردًا غريبًا أو عزيزًا، أو مشهورًا مستفيضًا، أو متواترًا.
٤ - معرفة أنَّ الحديث أخرجه الشيخان أو أحدهما في الأصول المسندة، فلسنا بحاجة إلى دراسة الإسناد والحكم عليه عندهما لما تكفل كل واحد منهما مؤنة ذلك، وقد تلقت الأمة كتابيهما بالقبول، وإذا احتجنا إلى التخريج لأحاديثهما فليس لأصل الحكم بل لفوائد أخرى في التخريج، كما سأشير إلى فوائد المستخرجات عليهما وعلى غيرهما ضمن هذه الفوائد.
٥ - الوقوف من خلال التخريج على كلام الأئمة في الحديث وإسناده صحة وضعفًا، مثل كلام الترمذي وما ينقله عن البخاري وكلام النسائي وأبي داود والدارقطني والبيهقي وغيرهم، فيسهِّل ذلك له معرفة حكم الحديث وإسناده.
٦ - معرفة شواهد الحديث ومتابعاته من عملية التخريج ومن ثم معرفة تقوية الإسناد أو الحديث بها أو عدم تقويته.
٧ - يمكن الوصول بالتخريج وجمع طرق الحديث إلى معرفة علل الحديث متنا وإسنادًا، من الشذوذ والنكارة وزيادة الثقة ونحوها.
٨ - الوقوف على أسباب ورود الحديث من خلال تخريجه وجمع طرقه
1 / 20
والاطلاع على معاني الغريب منه، كما ذكر أبو حاتم (١) الرازي بقوله: «لو لم نكتب الحديث من ستين وجها ما عقلناه» فهذه الجملة القصيرة تبين لنا قيمة جمع طرق الحديث.
٩- معرفة السقط في السند سواء في أوّله وهو المعلق، أو في وسطه باثنين متواليين وهو المعضل، أو بواحد وأكثر متفرقًا فهو المنقطع، أو في آخره فهو المرسل، أو وجود تدليس في الإسناد.
١٠- معرفة من روى عن المختلط قبل اختلاطه من بعده.
١١- معرفة القلب في الإسناد أو المتن أو الإدراج أو الاضطراب وغيرها من العلل.
١٢- إظهار علل الإسناد الخفية عند الاختلاف على الراوي بالوصل والإرسال، أوبالوقف والرفع، أو الاتصال والانقطاع، أو زيادة رجل في أحد الإسنادين، أو الاختلاف في اسمه وهو متردد بين ثقة وضعيف.
فمعرفة الحديث المعلول من غيره هي بحق أُمُّ الفوائد (٢) .
١٣ - معرفة المهمل والمبهم من الرواة. والفرق بينهما أن المهمل سُمِّي ولم ينسب، والمبهم لم يسمَّ.
_________
(١) تقدم توثيقه.
(٢) التأصيل/ ٧١ وانظر: النكت لابن حجر (٢/٤٧٧، ٧٧٧ – ٧٧٨) وشرح أحمد شاكر لألفية السيوطي (٥٥ – ٦٥) .
1 / 21