239

Iliyadha

الإلياذة

Genres

هكذا خاطب هكتور الجموع، فصاح الطرواديون عاليا. فما أحمقهم! لأن بالاس أثينا سلبتهم رشدهم، فإذا بهم جميعا يثنون على هكتور لمشورته السقيمة. أما بولوداماس فلم يمتدحه أحد، رغم كونه قد أحسن النصح. ومن ثم تناولوا العشاء في سائر أنحاء المعسكر.

أخيل يتحدى!

أما الآخيون فباتوا طوال الليل يئنون منتحبين على باتروكلوس. وفي وسطهم بدأ ابن بيليوس النحيب الشديد، واضعا يديه - قاتلتي البشر - فوق صدر صديقه، وهو يئن أنينا بالغا، أشبه بأسد ذي لبدة، خطف صياد غزلان أشباله وحملها بعيدا عن الغابة الكثيفة، فلما عاد الأسد، اكتأب لذلك اكتئابا شديدا، وشرع يقتفي آثار أقدام الصياد خلال الممرات الكثيرة أملا في العثور عليه في أي مكان، إذ تملكه غضب فظيع. هكذا أيضا تكلم أخيل وسط المورميدون وهو يتأوه، فقال: «سحقا! لقد ضاع قولي عبثا، عندما حاولت في ذلك اليوم أن أشجع المحارب مينويتيوس في قصرنا، فقلت له إنني بعد أن أغير على طروادة، سأعود إلى أوبويس بابنه المجيد مع نصيبه من الغنيمة التي يحظى بها، ولكن زوس لا يحقق للبشر جميع أغراضهم، فإنه مكتوب لكلينا أن نخضب نفس الثرى بدمائنا - هنا، على أرض طروادة - إذ إنني لن أعود ثانية ليرحب بي الفارس الشيخ بيليوس في قصره، ولا أمي ثيتيس، بل ستحتفظ بي الأرض هنا. والآن، يا باتروكلوس، بما أن مثواي سيكون تحت الأرض من بعدك، فلن أقوم بدفنك إلا بعد أن أحضر الحلة الحربية، ورأس هكتور - قاتلك العظيم الشجاعة - إلى هنا، كما أقطع رقاب اثني عشر ابنا مجيدا من الطرواديين، أمام كومة حطبك الجنائزية، وأنا في سورة غضبي لمقتلك. لترقد بجانب السفن المدببة - كما أنت - إلى أن يتم ذلك، وسوف تنتحب حولك - ليل نهار - الطرواديات والدردانيات السمينات الصدور بدموع منهمرة، أولئك اللواتي حصل كلانا عليهن بالكدح، بقوتنا ورماحنا الطويلة، عندما خربنا كثيرا من مدن البشر.»

وما إن قال أخيل العظيم هذا حتى أمر رفاقه بأن يضعوا قدرا كبيرة فوق النار، ليزيلوا الدم المتجمد عن جثة باتروكلوس بسرعة. فوضعوا القدر فوق النار المستعرة، وملئوها بالماء، وأشعلوا تحتها قطعا من الخشب، فالتفت النيران بالقدر، وسخن الماء، حتى إذا غلى الماء في البرونز البراق، غسلوا الجثة ودهنوها بالزيت الوفير، غامرين جروحها بدهان معتق منذ تسع سنوات. وأرقدوا باتروكلوس على فراشه، وغطوه من رأسه حتى قدمه، بغلالة كتانية ناعمة، ومن فوقها رداء أبيض. وهكذا، راح المورميدون الليل كله يبكون وينتحبون على باتروكلوس، ولكن زوس تحدث إلى هيرا، أخته وزوجته، قائلا: «لقد حققت رغبتك يا ذات عيون المها، يا هيرا الجليلة، واستفززت أخيل السريع القدمين. حقا، لا بد وأن الآخيين الطويلي الشعر هم أطفال رحمك.»

فردت عليه هيرا الجليلة - ذات عيون المها - قائلة: «يا ابن كرونوس المرهوب، أية كلمة هذه التي نطقت بها! واعجباه! فحتى الإنسان - كما أعتقد - تواق إلى بذل ما في مقدوره، من أجل أخيه الإنسان، رغم أنه بشر لم يؤت كل ما لي من الحكمة. فكيف كان في مقدوري إذن - أنا التي أدعي بأني أعظم الربات في شيئين: فأنا أكبرهن سنا، وأنا زوجتك، أنت الملك على جميع الخالدين - كيف كان في مقدوري، وأنا غاضبة على الطرواديين، ألا أحيك ضدهم شرا؟»

بين ثيتيس وهيفايستوس!

هكذا تكلم كل منهما إلى الآخر، أما ثيتيس اللجينية القدمين، فقد انطلقت إلى منزل هيفايستوس الخالد، المزدان بالنجوم، والسرمدي بين بيوتات الخالدين، والمصنوع كله من البرونز، إذ بناه الرب الأعرج لنفسه .

ووجدته يتصبب عرقا من التعب، وهو يروح ويجيء حول الكير في سرعة بالغة، إذ كان يصنع عشرين ركيزة لتوضع حول حوائط البهو المتين البناء، وقد ثبت أسفل قاعدة كل منها عجلات من الذهب، حتى يمكن أن تدخل إلى حشد الآلهة من تلقاء نفسها - حسب رغبته - ثم تعود ثانية إلى منزله، وبذا تكون أعجوبة للناظرين. ولم يكن قد فرغ من صنعها بعد. بل بقي عليه أن يثبت فيها المقابض المصنوعة بمهارة، وكان يقوم بإعدادها، ويطرق المسامير. وبينما هو منهمك في عمله هذا بمهارة فائقة، إذ اقتربت منه الربة، ثيتيس الفضية القدمين. وجاءت خاريس الفاتنة، ذات المفرق الوضاء - التي تزوجها الرب المشهور ذو الساعدين القويين - فرأتها وصافحتها، وخاطبتها قائلة: «لم أتيت إلى بيتنا، يا ثيتيس، يا طويلة الثوب، ضيفة معززة، مرحبا بها؟ إنك لا تترددين علينا كثيرا، فتعالي كي أحتفي بك وأكرمك.»

قالت هذا ثم قادتها الربة البراقة. وأجلستها على عرش مرصع بالفضة، بديع الشكل، فاخر الصنع، ومن تحته مقعد للقدمين. ونادت هيفايستوس، الحداد المشهور، وخاطبته بقولها: «تعال يا هيفايستوس، فإن ثيتيس في حاجة إليك.» فأجابها الرب المشهور ذو الساعدين القويين: «حقا، إن في داري لربة مهيبة مبجلة، تلك التي أنقذتني عندما أصابني الألم بعد أن سقطت في هوة سحيقة بإرادة أمي القليلة الحياء، إذ كانت تود إخفائي في مكان قصي بسبب عرجي. وكان علي أن أقاسي الأهوال في قلبي، لولا أن يورونومي - ابنة أوقيانوس الذي لا يكف عن التدفق فياضا على نفسه - وثيتيس استقبلتاني في حضنيهما،

2

Unknown page