18
فأجابها ديوميديس القوي بقوله: «إنني أعرفك، يا ابنة زوس حامل الترس؛ ولذا سأصرح لك بمكنونات قلبي ولن أخفي عنك شيئا. لا ذعر أو جبن يستولي على جناني، ولا أي تراخ ولكني ما زلت ذاكرا الأمر الذي أصدرته لي. إنك لن تحمليني عناء القتال وجها لوجه مع الآلهة المباركين الآخرين، أما إذا دخلت أفروديت، ابنة زوس، إلى المعركة، فقد أمرتني بأن أضربها بالبرونز الحاد. وعلى ذلك فهذا سبب كوني أتقهقر، وسبب إصداري الأمر لجميع الأرجوسيين الباقين بأن يحتشدوا هنا معي؛ لأنني أرى «أريس» يسيطر على ساحة الوغى.»
فردت عليه أثينا، ذات العينين النجلاوين، بقولها: «أيا ابن توديوس، أيا ديوميديس، العزيز على قلبي، لا تخش أريس ، أو غيره من الخالدين؛ إذ سأكون معينة لك في كل وقت. هيا، تعال، قد جيادك الفردية الحوافر، واضربه أولا وجها لوجه، ولا تخش أريس الثائر، الذي يعيث هنا فسادا وتخريبا، ذلك الخائن الذي كان يتحدث الآن معي ومع هيرا، متظاهرا بأنه سيقاتل ضد الطرواديين، بينما قدم المساعدة للأرجوسيين، ومع ذلك فهو ينحاز الآن إلى الطرواديين، ناسيا هؤلاء!»
وما إن قالت هذا حتى جذبت «ستينيلوس» بيدها، من العربة إلى الأرض فأسرع يقفز من العربة، فركبتها إلى جوار ديوميديس العظيم؛ إذ كانت الربة متلهفة إلى القتال. وبصوت عال طقطق محور العربة البلوطي تحت حمله الثقيل؛ لأنه كان يحمل ربة موهوبة الجانب ومقاتلا منقطع النظير. فأمسكت «أثينا» بالسوط والأعنة، وقادت الجياد الفردية الحوافر بسرعة ضد أريس. وكان عندئذ يجرد «بيريفاس» الضخم من عدته الحربية، ذلك الذي كان يفضل جميع الأيتوليين، الابن العظيم لأوخيسيوس. كان أريس الملطخ بالدماء يجرده من حلته، ولكن أثينا لبست خوذة «هاديس»، حتى لا يبصرها أريس القوي!
والآن عندما تنبه أريس، مدوخ البشر، إلى ديوميديس العظيم، ترك بيريفاس الضخم راقدا حيث هو، حيث كان قد قتله وسلبه حياته، وتقدم مباشرة نحو ديوميديس، مستأنس الجياد. وبينما كانا يقتربان أحدهما من الآخر، قذف أريس رمحه البرونزي، أولا نحو النير وأعنة الجياد، متلهفا إلى إزهاق روح غريمه، غير أن أثينا النجلاء العينين أمسكت بالرمح، وألقت به على العربة، حتى لا يصل إلى الهدف. وبعد ذلك أطلق ديوميديس، البارع في صيحة الحرب، رمحه البرونزي صوب أريس، فأسرعت أثينا ووجهته بقوة نحو بطنه، حيث كان متمنطقا بدرقاته، فأصابه وجرحه وهو يخترق ويمزق بشرته الرقيقة. ثم سحب الرمح ثانية. وعندئذ زأر أريس بقوة كما يصرخ وسط المعركة تسعة أو عشرة آلاف مقاتل، عندما ينضمون إلى معركة إله الحرب. فاستولت الرجفة على الآخيين والطرواديين على السواء، وشاع بينهم الذعر؛ فقد زأر أريس الذي لا يمل القتال بمثل تلك الشدة!
وكما تبدو الظلمة القاتمة من خلال السحب، عندما تهب ريح لافحة بعد موجة من الحر، هكذا أيضا برز زوس البرونزي لديوميديس، ابن توديوس، وهو يرحل خلال السحب إلى السماء الفسيحة. ووصل بسرعة إلى موطن الآلهة، إلى أوليمبوس الشاهق، وجلس إلى جانب زوس بن كرونوس حزين القلب، وأظهر له دمه الخالد ينبثق من الجرح، وانتحب وهو يقول له: «أبي زوس، ألست ساخطا وأنت ترى هذه الأعمال العنيفة؟ أيجب علينا نحن الآلهة أن نعاني باستمرار خطط القسوة التي يدبرها بعضنا ضد البعض الآخر كلما أراد إظهار وده للبشر؟ هل نحن جميعا في صراع معك؛ لأنك والد تلك الفتاة المجنونة المؤذية، التي يتركز عقلها دائما في الأعمال غير المشروعة؟ إن جميع الآلهة المقيمين في أوليمبوس يطيعونك ويخضعون لك، كل واحد منا، نحن رعاياك، ما عداها هي، فإنها لا تطيعك، لا بالقول ولا بالفعل، بل تطلقها وتترك لها الحبل على الغارب، لا لشيء إلا لأن هذه الفتاة العابثة ابنتك!
والآن قد شجعت ابن توديوس، ديوميديس، المتعجرف، ليصب جام غضبه على الآلهة الخالدين؛ فقد أصاب «كوبريس» بادئ ذي بدء بطعنة، وجرحها في يدها عند الرسغ في قتال دار بينهما وجها لوجه. وبعد ذلك هجم علي أنا نفسي، كما لو كان إلها! ولو لم تحملني قدماي السريعتان بعيدا، لقاسيت الآلام طويلا وسط كومات الموتى البشعة، أو لعشت مجردا من القوة بسبب ضربات الرمح.»
عندئذ أجابه زوس حاشد السحب، وقد قطب حاجبيه، بقوله: «لا تجلس إلى جواري قط، أيها الخائن. ما أبغضك إلى نفسي - من دون جميع الآلهة الذين يقطنون في أوليمبوس - لأن القتال محبب إلى نفسك دائما، وكذا الحروب والمعارك. إن لك نفس الروح التي لا تطاق، والتي لا تعرف الاستسلام، روح أمك هيرا، التي لا أستطيع مطلقا أن أسيطر عليها بكلامي. وإنك لتعاني الآن على ما أظن، من جراء تشجيعها لك. وعلى أية حال فلن أحتمل بعد الآن أن أراك تتألم؛ لأنك من ذريتي، وقد أنجبتك أمك لي، أما لو كنت من نسل أي إله آخر، وكنت عابثا بهذا الشكل، فإنك كنت قمينا بأن تجد نفسك، منذ أمد طويل، أقل في المرتبة من أبناء السماء!»
وبعد أن قال هذا، أمر «بايون»
19
Unknown page