132

أو شعراء المخضرمين وشعراء الدولة الأموية

علمت أن النهضة الشعرية كانت في ريعانها عند ظهور الإسلام، فجاء القرآن وأسكت الشعراء، وما أسكتهم إلا ليزيد نهضتهم استحكاما ويملأ حوافظهم ببلاغته الخلابة، فاندفعوا اندفاع السيل المنهمر، وأذهانهم ملأى بما ادخرت من الشعر الجاهلي، وما ضمت إليه من البلاغة القرآنية، فاجتمعت لهم بداهة الفكر، وسمو التصور ودقة التعبير.

وقد ألحقت شعراء الدولة الأموية بالمخضرمين

أولا:

لأن النفحة القرآنية أثارت نفوسهم إثارتها للمخضرمين؛ لقرب عهدهم بها، فنفس حسان ونفس الفرزدق واحد، وجرير يماثل كعب بن زهير، ومثله الأخطل وإن كان نصرانيا، بل ربما علت طبقة شعراء الدولة الأموية عمن تقدمهم من المخضرمين في البلاغة لشبوبهم عليها وتأصلها في نفوسهم.

وثانيا:

لأن الشعراء كانوا أعز نفسا وأرفع شأنا في الدولة الأموية منهم في الدولة العباسية وما وليها، وسببه أن الدولة الأموية قامت على كره من الفريق الأعظم من المسلمين، فكانت في حاجة إلى استمالة الشعراء، فدلوا وعزوا ولم يهينوا كما هانوا بعد ذلك الزمن إذ باتوا يطلبون الزلفى تقربا من الخلفاء وبطانتهم طمعا بمال وجرا لمغنم، وشتان ما كرامة المتزلف والمترفع، فحسان مدح النبي ولكنه مدحه شغفا بمناقبه، وتصح المشاكلة بينه وبين الفرزدق في مدح زين العابدين علي بن الحسين، ولكنها لا تصح بينهما وبين مداح معظم المولدين والمحدثين.

وثالثا:

لأن شعراء العرب حتى أواخر الدولة الأموية لم يألفوا ترف الحضارة المتسرب إليهم من الرومان والفرس بالمخالطة، فبقيت مسحة الفطرة الجاهلية ظاهرة في شعرهم، فهم والمخضرمون طبقة واحدة لا يتخللها فاصل.

ثم إنه بالنظر إلى معنى لفظة المخضرم في عرف كتاب العرب لا ينكر إطلاقها على شعراء الدولة الأموية؛ لأنهم قد يعنون بها كل متوسط بين عصرين كما أطلقوها على مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية يريدون بهم الذين أدركوا الثانية من شعراء الأولى، فلا بأس علينا بهذا الاعتبار أن نطلقها توسعا على شعراء الدولة الأموية لتوسط كثيرين منهم بين الخلفاء الراشدين ودولة بني أمية، والتصاق الباقين بهم.

Unknown page