Ilah Yuqaddim Istiqalathu
الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة
Genres
تقدم يا سيدنا إبراهيم أنت أبونا جميعا، ولا يحق للأنبياء أن يتكلموا قبل الأب. (ينهض سيدنا إبراهيم ويقترب من العرش في خشوع.)
سيدنا إبراهيم :
يا سيدي الرب إن ضميري يعذبني، وأخشى أن أموت قبل أن أفصح عما في نفسي، لقد فعلت في حياتي كثيرا من المظالم، وكلها تنفيذا لأوامرك، قتلت ونهبت أراضي الناس دون وجه حق، لكني آمنت بك وبنيت لك المذبح والبيت، وجعلت سارة زوجي تذبح لك عجلا كلما جئت إلى بيتنا، وتضع لك خبزا من دقيق وسمن، ونضع الشحم على النار لتشم منه رائحة الشواء، وجعلنا لك بساطا من أبرشيم دقيق الصنعة، كما طلبت منا خوانا من خشب الشمشاد، وكنت أقف أمامك وأنت تأكل تحت الشجرة، وأنتقي لك الحسناوات الحور لأنك كنت تغضب وتقول:
ما لكم تقربون إلي كل عرجاء وعوراء؟! نعم يا سيدي نفذت أوامرك بالحرف، وكنت أحيانا أراجعك عن القتل، وأسألك أتقتل الآلاف لأن رجلا واحدا منهم لم يعبدك؟ لكنك لم تسمع كلامي، كنت تسمع نفسك فقط، تعبد ذاتك، وتجعلنا عبيدك، تفرض علينا الطاعة العمياء دون سؤال. أعطيت نفسك الحق أن تفعل أي شيء، وكان يجب أن تلزم نفسك بالعدل، وتلزمني بالعدل، أنا رسولك إلى الناس، لكنك جعلت مني قاتلا بلا ضمير وخائنا بلا أخلاق، أمرتني أن ألقي زوجتي الحبيبة هاجر وطفلي إسماعيل في الصحراء، لتأكلهم الضباع أو يموتوا من الجوع والعطش، لم ترحم امرأة فقيرة ومولودها الصغير من أجل مساندتك لسارة زوجتي الأولى، هي التي أشارت علي أن أتزوج جاريتها هاجر، قالت لي: أنا امرأة عاقر عجوز، وأنت في حاجة إلى نسل يخلفك، ثم نهشتها الغيرة بعد أن تزوجت هاجر، وأنجبت ابني إسماعيل. وقد أمرتني أن أنفذ رغبة سارة، وألقي هاجر وإسماعيل في العراء، وكنت أعرف أنك ظالم، وأنك تقف بجانب سارة لأنها تملك الكثير من رءوس الضأن، وتذبح لك حين تأتي إلينا وتخبز الدقيق والسمن، تفرش البساط من أبرشيم والخوان من خشب الشمشاد؛ لكن هاجر الجارية لم تكن تملك شيئا، وقد غضبت عليها لمجرد أنها فقيرة، كما غضبت على قابيل ابن أبي الكبير آدم، حين قدم لك من ثمار الأرض قربانا، فأشحت عنه بوجهك، ونظرت إلى أخيه هابيل الذي قدم لك من أبكار غنمه ومن سمانها، واغتاظ قابيل وسقط وجهه. يا سيدي أنت زرعت الحقد بين الأخوين الشقيقين، لمجرد أن أحدهما يقدم لك الغنم، والآخر لا يملك منها شيئا، الاثنان قربا إليك القربان، فتقبلت من أحدهما ولم تتقبل من الآخر، قتل الأخ أخاه بسبب ما فعلت يا سيدي، أنت مسئول عن هذه الجريمة، لكنك ألصقتها بقابيل الفتى المسكين الذي لم يكن إلا أداة لك، وهذه الأرض الموعودة يا سيدي التي روتها الدماء البريئة، ولم يكف من أجلها سفك الدماء حتى اليوم، هل تتابع يا سيدي أخبار العالم اليوم؟ ألا تؤرقك هذه الدماء المسفوكة باسمك وباسم أرضك الموعودة بإبراهيم ونسله من بني إسرائيل؟ مقابل ماذا وعدتني بهذه الأرض يا سيدي؟ أيمكن أن ترد علي بكلمة واحدة قبل أن أموت؟! أرجوك تكلم، أسعفني فالعالم كله يأكل وجهي، وضميري ينخس مثل الإبرة في صدري؛ فأنا لا أعرف ما هو السبب وراء هذه الأرض الموعودة، وما هو ذلك العهد الذي كان بيننا يا سيدي؟ أكان عهدا سريا؟ لماذا لا تتكلم؟! هذه محكمة علنية أمام الناس، وأنا أريدهم أن يحكموا بيننا بالعدل، من المسئول عن سفك هذه الدماء أنا أم أنت؟ ومقابل ماذا وعدتني بهذه الأرض، أهي رءوس الغنم ولحم الضأن المشوي يا سيدي؟! (هنا يرفع الرب الأعلى يده علامة الاعتراض، يبدو على ملامح وجهه شيء من الغضب، لكنه غضب محكوم يتناسب مع السيادة العليا.)
الرب الأعلى (بغضب بارد) :
لا! كفى! أسكتوه! (يصمت سيدنا إبراهيم راكعا فوق الأرض. يدب الصمت في المكان، لا يسمع إلا صوت مروحة ريشة النعام. أحد الجنود يمسح العرق من فوق جبهة الرب الأعلى بقطعة معقمة من الشاش المغموس في ماء الكولونيا داخل قنينة من الفضة.) (أحد الموظفين في البلاط يجري بسرعة حاملا كتب الله الثلاثة إلى سيدنا رضوان عليه السلام، يفتح رضوان الكتاب الأول وهو التوراة، يشرب قليلا من الماء من إناء بلوري ، يتنحنح ثم يقول بصوت رخيم هادئ كصوت القضاة من البشر، في يده مطرقة لها رأس ذهبي يشبه رأس «الكوبرا»، يدق بها على منضدة من الفضة أمامه، حين تسري الهمهمة والهسيس بين الناس؛ فقد دخل إلى القاعة بعض المارة في الطريق من الفقراء والفقيرات الساعين إلى أعمالهم، منهم فلاحون وفلاحات وعمال وعاملات مصانع وجنود وطلبة ومومسات، وحلاقوا صحة ممن يمارسون عمليات الختان وأطباء ممن يمارسون عمليات الإجهاض، وأصحاب بنوك ومرابين وتجار ووزراء في حكومات ورؤساء دول، وغير ذلك من المهن المعروفة المختلفة، كلهم جالسون على البساط العجمي فوق الأرض. قد نلمح بعض الوجوه المعروفة في التاريخ من كبار الفنانين أو الفنانات من الأموات والأحياء، وكذلك ملوك وأباطرة ورؤساء دول من الموتى ومن المعاصرين، منهم الملك فاروق ملك مصر، أنور السادات، أبو الهول، رونالد ريجان، جورج بوش، كليوباترة وأنطونيوس، نفرتيني وإخناتون، أم كلثوم مطربة الشرق، رابعة العدوية، كارل ماركس، سيجمون فرويد ... وغيرهم من الرجال والنساء المعروفين في الشرق والغرب. نرى أيضا «حواء» وبنت الله وسط هذه الوجوه، وهما جالستان متجاورتان ضمن الصفوف الأمامية. تسري الهمهمة بين الناس. تقرب حواء رأسها من بنت الله.)
حواء :
أتعرفين مقابل ماذا وعده بالأرض؟
بنت الله :
مقابل ماذا؟ (يدق سيدنا رضوان بالمطرقة لإيقاف الهمهمة بين الناس.) (يدب الصمت.)
Unknown page