ثم أغار زيد من فوره على شنوءة والحجر بن عمران بن عمر ولحدث قد كانوا أحدثوه عليه، فقتل منهم وأسر أسرى كثيرة، فوفد عليه رجل منهم يقال له المطرب بن مالك بن عنزة بن هداد بن زيد مناة بن الحجر بن عمران بن عمرو طالبًا في الأسرى فامتدح زيدًا فقال:
إلى حاشد أهديت شعري ومدحتي ... لكي يعلموا أني أروم المعاليا
إلى الملك زيد ذي الفعال وذي الندى ... سما سؤددًا قدمًا فبذّ المساميا
فلو شهدتني بالمقيل حليلتي ... وقد أشرعت همدان نحوي العواليا
إذن لرأت يومًا رأينا نجومه ... تألق من قتل يشيب النواصيا
يجاوب زيدًا منهم أهل نجدة ... كرام المساعي يتقون المساويا
وأدعو هدادًا جاهدًا فيجيبني ... صدى الصوت إذ لم أمنع الظعن خاليا
وكان فيمن أسر هداد بن عمرو بن حمّان بن هداد بن زيد مناة بن الحجر بن عمران بن عمرو، فقال في ذلك:
أبلغ فوارس همدان الألى ظفروا ... يوم الحظيرة والرايات تختفق
الجاعلين رماح الخط معقلهم ... والمقدمين إذا ما استطىء العنق
والحاملين رقاق البيض ضاحية ... على الشؤون إذا ما احمّرت الحدق
أضحى لزيد فعال في أرومتنا ... نعماء يعرفها الأملاك والسوق
السالك الخرق بالفرسان معلمة ... إلى الهياج عليها البيض تأتلق
والقائد الخيل منكوبًا دوابرها ... يجري عليها نجيع الجوف والعلق
والواهب القينة البيضاء مضحكها ... مثل الأقاح عليها الدرّ متسق
والشارب الصفو والأعناق مائلة ... يوم الخطوب إذا ما يشرب الرنق
وقال هداد أيضًا:
تبدّلت من سلمى وأسباب ودّها ... بلادًا بها الأعداء أعينهم خزر
بلادًا عليّ النوم فيها محرّم ... وأبناؤنا فيها يضيق بها الصدر
أسيرًا ودوني من بكيل وحاشد ... عثير رجال لا ينهنهها الزجر
يقودون أولاد الأغرّ كأنها ... نجوم الثريا حولها الأنجم الزهر
إذا ما دعا زيد لروع تعطفت ... عليه بأيديها المثقفة السمر
ويدعو بكيلًا حاشد فيجيبها ... وأدعو ففي الآذان من قومنا وقر
وكانوا قد أصابوا غلمانًا قد جمعوا في حظيرة ليعذروهم وهو الختان فأخذوهم، ولذلك قال يوم الحظيرة. وقال هداد:
لا يولعن بك إشفاق على طمع ... إني أرى الحرب لا تبقي ولا تذر
أهدت لنا حاشد يومًا كواكبه ... فيه تكاد على الأكواد تنفطر
شم العرانين أبطال مغاورة ... لا ينكلون إذا ما لفّنا الخور
فأطلق زيد أسراهم وفيهم هداد، ورد عليهم ما أخذ لهم، وحباهم، وضمن لهم الكف عنهم، وضمنوا له الطاعة.
فأولد زيد قيسًا وقد ملك، فأولد قيس زيد الأصغر وقد ملك وساد ورأس، وإليه وفد المسيب بن علس ويقال بل أسره فمنّ عليه، فقال فيه كلمته المشهورة وهي:
كلفت بليلي خدي الشبا ... ب وعالجت منها زمانًا خبالا
وقد أثبتناها في الكتاب الثاني من الإكليل. وقد يرى كثير من الناس أن هذه القصيدة في جدّه زيد بن مرب، ولم يدرك المسيب زيد بن مرب فأولد زيد قيسًا والعاقب، فأولد قيس عبد الرحمن وسعيدًا خاصّ عليّ بن أبي طالب ﵇ وصاحب أمر همدان بالعراق، وكان أحد فرسان العرب المعدودة وأحد الدهاة الخمسة وهم معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وقيس بن سعد بن عبادة وسعيد بن قيس ومن الأجواد والذبّابين. وروى الهيثم بن عدي عن ابن عياش المرهبي قال: كان سعيد بن قيس جالسًا عند علي ﵇ فلما أن قام قال علي: هذا والله كما قال القائل:
من قوله قوله ومن فعله ... فعل ومن نائله نائل
وذكروا أن أبا بردة بن أبي موسى الأشعري أتى سعيد بن قيس ليسلم عليه وهو غلام حدث، فلما انصرف من عنده أر له بعشرة آلاف درهم فحملت معه، فأخبر أبو بردة أبا موسى بذلك فقال أبو موسى: " يا بني لك قوم ملوك، وهؤلاء ملوكنا " يعني همدان.
1 / 9