96

Ikhtiyar Li Taclil

الاختيار لتعليل المختار

Investigator

محمود أبو دقيقة

Publisher

مطبعة الحلبي - القاهرة (وصورتها دار الكتب العلمية - بيروت، وغيرها)

Edition Number

الأولى

Publication Year

1356 AH

Publisher Location

بيروت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ [الاختيار لتعليل المختار] فَلِأَنَّهُ ﵊ قَدَّرَهُ بِهِ، فَقَالَ ﵊: «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ» وَكَذَا وَرَدَ فِي سَائِرِ النُّصُبِ. وَأَمَّا خُلُوُّهُ عَنِ الدَّيْنِ فَلِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِالدَّيْنِ مَشْغُولٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ فَرَاغَ ذِمَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ الْحَائِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ أَهَمُّ الْحَوَائِجِ، فَصَارَ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ نَاقِصٌ لِأَنَّ لِلْغَرِيمِ أَخْذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَالزَّكَاةُ وَجَبَتْ شُكْرًا لِلنِّعْمَةِ الْكَامِلَةِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ مَصْرِفًا لِلزَّكَاةِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالْغَارِمِينَ﴾ [التوبة: ٦٠] وَبَيْنَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَجَوَازِ أَخْذِهَا تَنَافٍ وَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فَاضِلٌ عَنِ الدَّيْنِ زَكَّاهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَالْمُرَادُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ، وَمَا لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لَا يَمْنَعُ كَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَوُجُوبِ الْحَجِّ وَنَحْوِهِ، وَالنَّفَقَةُ مَا لَمْ يُقْضَ بِهَا لَا تَمْنَعُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ، فَإِذَا قُضِيَ بِهَا صَارَتْ دَيْنًا فَمَنَعَتْ. وَاخْتَلَفُوا فِي دَيْنِ الزَّكَاةِ. قَالَ زُفَرُ: لَا يَمْنَعُ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ لِلْمَالِكِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانَ الدَّيْنُ فِي الذِّمَّةِ بِأَنِ اسْتَهْلَكَ مَالَ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَبَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَلَكَ مَالًا آخَرَ، فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَلَا يَمْنَعُ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنَ الْوُجُوبِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ فِي الْعَيْنِ كَمَنْ لَهُ نِصَابٌ فَمَضَى عَلَيْهِ سُنُونَ، فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِجَمِيعِ مَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ خِلَافًا لِزُفَرَ ; وَعِنْدَهُمَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَيَمْنَعُ الدَّيْنُ سَوَاءً كَانَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ كَانَ لِلْإِمَامِ، وَعُثْمَانُ ﵁ فَوَّضَهُ إِلَى الْمُلَّاكِ، وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ حَقَّ طَلَبِ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاتَهُمْ طَالَبَهُمْ بِهَا، وَلَوْ مرَّ بِهَا عَلَى السَّاعِي كَانَ لَهُ أَخْذُهَا، فَكَانَ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَيَمْنَعُ، وَالدَّيْنُ الْمُعْتَرِضِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ يَمْنَعُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَالْمَهْرُ يَمْنَعُ مُؤَجَّلًا كَانَ أَوْ مُعَجَّلًا ; وَقِيلَ يَمْنَعُ الْمُعَجَّلُ دُونَ الْمُؤَجَّلِ. وَقَوْلُهُ: فَائِضًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ﵊: «الْمَرْءُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ» وَقَوْلُهُ ﵊: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ» يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَقَدُّمِ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةَ وَهِيَ: دُورُ السُّكْنَى، وَثِيَابُ الْبَدَنِ، وَأَثَاثُ الْمَنْزِلِ، وَسِلَاحُ الِاسْتِعْمَالِ، وَدَوَابُّ الرُّكُوبِ، وَكُتُبُ الْفُقَهَاءِ، وَآلَاتُ الْمُحْتَرِفِينَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي مَعَاشِهِ. وَأَمَّا الْمِلْكُ التَّامُّ فَاحْتِرَازٌ عَنْ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِلنِّعْمَةِ الْكَامِلَةِ، وَأَنَّهَا نِعْمَةٌ نَاقِصَةٌ، وَلِمَا رَوَى جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ حَتَّى يَعْتِقَ» وَقَوْلُهُ فِي طَرَفَيِ الْحَوَلِ؛ لِأَنَّ الْحَوَلَ لَا بُدَّ مِنْهُ. قَالَ ﵊: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» . وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّمَكُّنِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي النِّصَابِ مُدَّةً يَحْصُلُ مِنْهُ النَّمَاءُ، فَقَدَّرْنَاهُ بِالْحَوْلِ

1 / 100