Al-Ikhtiyār li-taʿlīl al-Mukhtār
الاختيار لتعليل المختار
Editor
محمود أبو دقيقة
Publisher
مطبعة الحلبي (وصورتها دار الكتب العلمية - بيروت)
Edition Number
الأولى
Publication Year
1356 AH
Publisher Location
القاهرة
Genres
Ḥanafī Law
وَيُقَلِّدُ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ دُونَ غَيْرِهَا.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَيُقَلَّدُ هَدْيُ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ دُونَ غَيْرِهَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ ﵊ قَلَّدَ هَدَايَاهُ وَكَانَتْ تَطَوُّعًا، وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ فَيَلِيقُ بِهِ الْإِظْهَارُ، وَالْمُرَادُ بِالْهَدْيِ هُنَا الْبُدْنُ ; أَمَّا الْغَنَمُ فَلَا يُقَلِّدُهَا لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ ; وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْهَدَايَا فَلِأَنَّهَا جِنَايَاتٌ، وَاللَّائِقُ فِيهَا السِّتْرُ، وَدَمُ الْإِحْصَارِ وَجَبَ لِلتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَكَانَ جِنَايَةً.
١ -
فَصْلٌ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ
وَلَمَّا جَرَى الرَّسْمُ أَنَّ الْحُجَّاجَ إِذَا فَرَغُوا مِنْ مَنَاسِكِهِمْ وَقَفَلُوا عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَصَدُوا الْمَدِينَةَ زَائِرِينَ قَبْرَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ هِيَ مِنْ أَفْضَلِ الْمَنْدُوبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، بَلْ تَقْرُبُ مِنْ دَرَجَةِ الْوَاجِبَاتِ، فَإِنَّهُ ﷺ حَرَّضَ عَلَيْهَا، وَبَالَغَ فِي النَّدْبِ إِلَيْهَا فَقَالَ: «مَنْ وَجَدَ سِعَةً وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» وَقَالَ ﵊: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَقَالَ ﵊: «مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَمَاتِي فَكَأَنَّمَا زَرَانِي فِي حَيَاتِي» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، ثُمَّ رَأَيْتُ أَكْثَرَ النَّاسِ غَافِلِينَ عَنْ آدَابِهَا وَمُسْتَحَبَّاتِهَا، جَاهِلِينَ بِفُرُوعِهَا وَجُزْئِيَّاتِهَا، أَحْبَبْتُ أَنْ أَذْكُرَ فِيهَا فَصْلًا عَقِيبَ الْمَنَاسِكِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَذْكُرُ نُبَذًا مِنَ الْآدَابِ فَأَقُولُ:
يَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُكْثِرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ وَيَصِلُ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَايَنَ حِيطَانَ الْمَدِينَةِ يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُ نَبِيِّكِ، فَاجْعَلْهُ وِقَايَةً لِي مِنَ النَّارِ، وَأَمَانًا مِنَ الْعَذَابِ، وَسُوءِ الْحِسَابِ، وَيَغْتَسِلُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ إِنْ أَمْكَنَهُ، وَيَتَطَيَّبُ وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى التَّعْظِيمِ، وَيَدْخُلُهَا مُتَوَاضِعًا عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ ; ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّي عِنْدَ مِنْبَرِهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ، يَقِفُ بِحَيْثُ يَكُونُ عَمُودَ الْمِنْبَرِ بِحِذَاءِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ، فَهُوَ مَوْقِفُهُ ﷺ وَهُوَ بَيْنَ قَبْرِهِ وَمِنْبَرِهِ. قَالَ ﵊: «بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» ثُمَّ يَسْجُدُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا وَفَّقَهُ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ ; ثُمَّ يَنْهَضُ فَيَتَوَجَّهُ إِلَى قَبْرِهِ ﷺ فَيَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهِ ﷺ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ، يَدْنُو مِنْهُ قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَلَا يَدْنُو مِنْهُ
1 / 175