Ihya Culum Din
إحياء علوم الدين
Publisher
دار المعرفة
Publisher Location
بيروت
قوله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه فتوكلت على الله ﷿ فهو حسبي قال شقيق يا حاتم وفقك الله تعالى فإني نظرت في علوم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم فوجدت جميع أنواع الخير والديانة وهي تدور على هذه الثمان مسائل فمن استعملها فقد استعمل الكتب الأربعة فهذا الفن من العلم لا يهتم بإدراكه والتفطن له إلا علماء الآخرة فأما علماء الدنيا فيشتغلون بما يتيسر به اكتساب المال والجاه ويهملون أمثال هذه العلوم التي بعث الله بها الأنبياء كلهم ﵈ وقال الضحاك بن مزاحم أدركتهم وما يتعلم بعضهم من بعض إلا الورع وهم اليوم ما يتعلمون إلا الكلام ومنها أن يكون غير مائل إلى الترفه في المطعم والمشرب والتنعم في الملبس والتجمل في الأثاث والمسكن بل يؤثر الاقتصاد في جميع ذلك ويتشبه فيه بالسلف رحمهم الله تعالى ويميل إلى الاكتفاء بالأقل في جميع ذلك وكلما زاد إلى طرف القلة ميله ازداد من الله قربه وارتفع في علماء الآخرة حزبه
ويشهد لذلك ما حكى عن أبي عبد الله الخواص وكان من أصحاب حاتم الأصم قال دخلت مع حاتم إلى الري ومعنا ثلثمائة وعشرون رجلًا يريد الحج وعليهم الزرمانقات وليس معهم جراب ولا طعام فدخلنا على رجل من التجار متقشف يحب المساكين فأضافنا تلك الليلة فلما كان من الغد قال لحاتم ألك حاجة فإني أريد أن أعود فقيهًا لنا هو عليل قال حاتم عيادة المريض فيها فضل والنظر إلى الفقيه عبادة وأنا أيضًا أجيء معك
وكان العليل محمد بن مقاتل قاضي الري فلما جئنا إلى الباب فإذا قصر مشرف حسن فبقي حاتم متفكرا يقول باب عالم على هذه الحالة ثم أذن لهم فدخلوا فإذا دار حسناء فوراء واسعة نزهة وإذا بزة وستور فبقي حاتم متفكرًا ثم دخلوا إلى المجلس الذي هو فيه وإذا بفرش وطيئة وهو راقد عليها وعند رأسه غلام وبيده مذبة فقعد الزائر عند رأسه وسأل عن حاله وحاتم قائم فأومأ إليه ابن مقاتل أن اجلس فقال لا أجلس فقال لعل لك حاجة فقال نعم قال وما هي قال مسئلة أسألك عنها قال سل قال قم فاستو جالسًا حتى أسألك
فاستوى جالسًا قال حاتم علمك هذا من أين أخذته فقال من الثقات حدثوني به قال عمن قال عن أصحاب رسول الله ﷺ قال وأصحاب رسول الله ﷺ عمن قال عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قال ورسول الله ﷺ عمن قال عن جبرائيل ﵇ عن الله ﷿
قال حاتم ففيما أداه جبرائيل ﵇ عن الله ﷿ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأداه رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى أصحابه وأصحابه إلى الثقات وأداه الثقات إليك هل سمعت فيه من كان في داره إشراف وكانت سعتها أكثر كان له عند الله ﷿ المنزلة أكبر قال لا قال فكيف سمعت قال سمعت أنه من زهد في الدنيا ورغب في الآخرة وأحب المساكين وقدم لآخرته كانت له عند الله المنزلة قال له حاتم فأنت بمن اقتديت ابالنبي ﷺ وأصحابه ﵃ والصالحين ﵏ أم بفرعون ونمروذ أول من بنى بالجص والآجر يا علماء السوء مثلكم يراه الجاهل المتكالب على الدنيا الراغب فيها فيقول العالم على هذه الحالة أفلا أكون أنا شرًا منه وخرج من عنده فازداد ابن مقاتل مرضا وبلغ أهل الري ما جرى بينه وبين ابن مقاتل فقالوا له إن الطنافسي بقزوين أكثر توسعًا منه
فسار حاتم متعمدًا فدخل عليه فقال رحمك الله أنا رجل أعجمي أحب أن تعلمني مبتدأ ديني ومفتاح صلاتي كيف أتوضأ للصلاة قال نعم وكرامة يا غلام هات إناء فيه ماء
فأتى به فقعد الطنافسي فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا ثم قال هكذا فتوضأ فقال حاتم مكانك حتى أتوضأ بين يديك فيكون أوكد لما أريد فقام الطنافسي وقعد حاتم فتوضأ ثم غسل ذراعيه أربعًا أربعًا فقال الطنافسي يا هذا أسرفت قال له حاتم فبماذا قال غسلت ذراعيك أربعًا فقال حاتم يا سبحان الله العظيم أنا في كف من ماء أسرفت وأنت في جميع هذا كله لم تسرف فعلم الطنافسي
1 / 66