Ihya Culum Din
إحياء علوم الدين
Publisher
دار المعرفة
Publisher Location
بيروت
ﷺ إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العالمون بالله تعالى (١) الحديث إلى آخره كما أوردناه في كتاب العلم
وقال ﷺ لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا (٢) فليت شعري إن لم يكن ذلك سرًا منع من إفشائه لقصور الأفهام عن إدراكه أو لمعنى آخر فلم لم يذكره لهم ولا شك أنهم كانوا يصدقونه لو ذكره لهم وقال ابن عباس ﵄ في قوله ﷿ الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لو ذكرت تفسيره لرجمتموني
وفي لفظ آخر لقلتم إنه كافر وقال أبو هريرة ﵁ حفظت من رسول الله ﷺ وعاءين أما أحدهما فبثثته وأما الآخر لو بثثته لقطع هذا الحلقوم
وقال ﷺ ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بسر وقر في صدره (٣) ﵁ ولا شك في أن ذلك السر كان متعلقًا بقواعد الدين غير خارج منها وما كان من قواعد الدين لم يكن خافيًا بظواهره على غيره وقال سهل التستري ﵁ للعالم ثلاثة علوم علم ظاهر يبذله لأهل الظاهر وعلم باطن لا يسعه إظهاره إلا لأهله وعلم هو بينه وبين الله تعالى لا يظهره لأحد
وقال بعض العارفين إفشاء سر الربوبية كفر
وقال بعضهم للربوبية سر لو أظهر لبطلت النبوة وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم وللعلماء بالله سر لو أظهروه لبطلت الأحكام وهذا القائل إن لم يرد بذلك بطلان النبوة في حق الضعفاء لقصور فهمهم فما ذكره ليس بحق بل الصحيح أنه لا تناقص فيه وأن الكامل من لا يطفي نور معرفته نور ورعه وملاك الورع النبوة
مسألة فإن قلت هذه الآيات والأخبار يتطرق إليها تأويلات فبين لنا كيفية اختلاف الظاهر والباطن فإن الباطن إن كان مناقضًا للظاهر ففيه إبطال الشرع وهو قول من قال إن الحقيقة خلاف الشريعة وهو كفر لأن الشريعة عبارة عن الظاهر والحقيقة عبارة عن الباطن وإن كان لا يناقضه ولا يخالفه فهو هو فيزول به الانقسام ولا يكون للشرع سر لا يفشى بل يكون الخفي والجلي واحد فاعلم أن هذا السؤال يحرك خطبًا عظيمًا وينجر إلى علوم المكاشفة ويخرج عن مقصود علم المعاملة وهو غرض هذه الكتب فإن العقائد التي ذكرناها من أعمال القلوب وقد تعبدنا بتلقينها بالقبول والتصديق بعقد القلب عليها لا بأن يتوصل إلى أن ينكشف لنا حقائقها فإن ذلك لم يكلف به كافة الخلق ولولا أنه من الأعمال لما أوردناه في هذا الكتاب ولولا أنه عمل ظاهر القلب لا عمل باطنه لما أوردناه في الشطر الأول من الكتاب وإنما الكشف الحقيقي هو صفة سر القلب وباطنه ولكن إذا انجر الكلام إلى تحريك خيال في مناقضة الظاهر للباطن فلا بد من كلام وجيز في حله
فمن قال إن الحقيقة تخالف الشريعة أو الباطن يناقض الظاهر فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان بل الأسرار التي يختص بها المقربون بدركها ولا يشاركهم الأكثرون في علمها ويمتنعون عن إفشائها إليهم ترجع إلى خمسة أقسام القسم الأول أن يكون الشيء في نفسه دقيقًا تكل أكثر الأفهام عن دركه فيختص بدركه الخواص وعليهم أن لا يفشوه إلى غير أهله فيصير ذلك فتنة عليهم حيث تقصر أفهامهم عن الدرك
وإخفاء سر الروح وكف رسول الله ﷺ عن بيانه (٤) من هذا القسم فإن حقيقته بما تكل الأفهام عن دركه وتقصر الأوهام عن تصور كنهه
ولا تظنن أن ذلك لم يكن مكشوفًا لرسول الله ﷺ فإن من لم يعرف الروح فكأنه لم يعرف نفسه ومن لم يعرف نفسه
(١) حديث إن من العلم كهيئة المكنون الحديث تقدم في العلم (٢) حديث لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا أخرجاه من حديث عائشة وأنس (٣) حديث ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام الحديث تقدم في العلم (٤) حديث كف رسول الله ﷺ عن بيان الروح أخرجه الشيخان من حديث ابن مسعود حين سأله اليهود عن الروح قال فأمسك النبي ﷺ فلم يرد عليهم شيئا الحديث
1 / 100