Refinement of Rulings: Commentary on the Book of Essential Rulings
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام
Publisher
مطبعة السنة المحمدية
Genres
Hadith Studies
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ، وَقِيلَ لِثَلَاثٍ.
ثُمَّ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُصَنِّفَ ﵀ بَدَأَ بِهِ لِتَعَلُّقِهِ بِالطَّهَارَةِ، وَامْتَثَلَ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ: إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُبْتَدَأَ بِهِ فِي كُلِّ تَصْنِيفٍ وَوَقَعَ مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ.
الثَّانِي: كَلِمَةُ إنَّمَا لِلْحَصْرِ، عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ﵄ فَهِمَ الْحَصْرَ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» وَعُورِضَ بِدَلِيلٍ آخَرَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ، وَلَمْ يُعَارَضْ فِي فَهْمِهِ لِلْحَصْرِ وَفِي ذَلِكَ اتِّفَاقٌ عَلَى أَنَّهَا لِلْحَصْرِ.
وَمَعْنَى الْحَصْرِ فِيهَا: إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ، وَنَفْيِهِ عَمَّا عَدَاهُ.
وَهَلْ نَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ: بِمُقْتَضَى مَوْضُوعِ اللَّفْظِ، أَوْ هُوَ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ؟ فِيهِ بَحْثٌ.
الثَّالِثُ: إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لِلْحَصْرِ: فَتَارَةً تَقْتَضِي الْحَصْرَ الْمُطْلَقَ، وَتَارَةً تَقْتَضِي حَصْرًا مَخْصُوصًا.
وَيُفْهَمُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ وَالسِّيَاقِ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ﴾ [الرعد: ٧] وَظَاهِرُ ذَلِكَ: الْحَصْرُ لِلرَّسُولِ ﷺ فِي النِّذَارَةِ.
وَالرَّسُولُ لَا يَنْحَصِرُ فِي النِّذَارَةِ، بَلْ لَهُ أَوْصَافٌ جَمِيلَةٌ كَثِيرَةٌ، كَالْبِشَارَةِ وَغَيْرِهَا.
وَلَكِنَّ مَفْهُومَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي حَصْرَهُ فِي النِّذَارَةِ لِمَنْ يُؤْمِنُ، وَنَفْي كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى إنْزَالِ مَا شَاءَ الْكُفَّارُ مِنْ الْآيَاتِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ» مَعْنَاهُ: حَصْرُهُ فِي الْبَشَرِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى بَوَاطِنِ الْخُصُومِ، لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ شَيْءٍ.
فَإِنَّ لِلرَّسُولِ ﷺ أَوْصَافًا أُخَرَ كَثِيرَةً.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ﴾ [محمد: ٣٦] يَقْتَضِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْحَصْرَ بِاعْتِبَارِ مَنْ آثَرَهَا. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: فَقَدْ تَكُونُ سَبِيلًا إلَى الْخَيْرَاتِ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ لِلْأَكْثَرِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْأَقَلِّ.
فَإِذَا وَرَدَتْ لَفْظَةُ " إنَّمَا " فَاعْتَبِرْهَا، فَإِنْ دَلَّ السِّيَاقُ
1 / 60