Refinement of Rulings: Commentary on the Book of Essential Rulings
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام
Publisher
مطبعة السنة المحمدية
Genres
Hadith Studies
٤٧ - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ قَالَ «دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ - الَّتِي تَدْعُونَهَا
ــ
[إحكام الأحكام]
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةٍ تَكَلَّفُوا فِيهَا. وَهُوَ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، أَوْ بِالْعَكْسِ؟ حَتَّى إنَّهُ إذَا تَعَارَضَ فِي حَقِّ شَخْصٍ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَدِّمَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا، أَوْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ أَيُّهَا أَفْضَلُ؟ وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي: أَنَّ التَّأْخِيرَ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ " وَإِذَا أَبْطَئُوا أَخَّرَ " فَأَخَّرَ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ مَعَ إمْكَانِ التَّقْدِيمِ؛ وَلِأَنَّ التَّشْدِيدَ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، وَالتَّرْغِيبَ فِي فِعْلِهَا: مَوْجُودٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَفَضِيلَةُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَرَدَتْ عَلَى جِهَةِ التَّرْغِيبِ فِي الْفَضِيلَةِ، وَأَمَّا جَانِبُ التَّشْدِيدِ فِي التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ: فَلَمْ يَرِدْ كَمَا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى الرُّجْحَانِ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. نَعَمْ إذَا صَحَّ لَفْظٌ يَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ كَانَ مُتَمَسَّكًا لِمَنْ يَرَى عَلَى خِلَافِ هَذَا الْمَذْهَبِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّ قَوْلَهُ " عَلَى وَقْتِهَا " لَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ " الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا " لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةُ الظُّهُورِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. .
[التَّغْلِيس بِالصُّبْحِ] ١
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ " الْغَلَسِ " وَأَنَّ الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّغْلِيسَ بِالصُّبْحِ أَفْضَلُ. وَالْحَدِيثُ الْمُعَارِضُ لَهُ - وَهُوَ قَوْلُهُ «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ. فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» - قِيلَ فِيهِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْفَارِ: تَبَيُّنُ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَوُضُوحِهِ لِلرَّائِي يَقِينًا. وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ نَظَرٌ. فَإِنَّهُ قَبْلَ التَّبْيِينِ وَالتَّيَقُّنِ فِي حَالَةِ الشَّكِّ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ. فَلَا أَجْرَ فِيهَا. وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي بِلَفْظَةِ " أَفْعَلَ " فِيهِ: أَنَّ ثَمَّ أَجْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَكْمَلُ مِنْ الْآخَرِ. فَإِنَّ صِيغَةَ " أَفْعَلَ " تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي الْأَصْلِ، مَعَ الرُّجْحَانِ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ حَقِيقَةً. وَقَدْ تَرِدُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ فِي الْأَصْلِ قَلِيلًا عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ. فَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَيُرَجَّحُ، وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلًا بِالْعَمَلِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ. .
1 / 167