ذلك أن الطلب من الله ﷾ يناسبه ويلائمة الافتقار إليه، والحاجة والمسكنة، كما يباينه وينافيه الإدلال والتغاني في الركون إلى نوع عبادة أو طاعة؛ فإذا اعترف الطالب لله ﷿ بأنه قد أتى ما مقتضاه الفقر والحاجة إلى فضله وعفوه، استهدف لعطائه ونزول شابيب رحمته.
وقال له: قل (اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم).
يعني ﷺ: أنك إذا تطهرت من ظلم نفسك، وغفر لك ورحمك، كانت هذه مقدمات بين يدي طلبك، فحسن حينئذ منك الطلب، ولم يصادف العطاء حاجزا من ظلم يمنع نيل العهد الذي ذكره سبحانه في قوله (٥/ أ): ﴿لا ينال عهدي الظالمين﴾ ولا ذنب لم يمح بعد فيكون الاشتغال بمحوه عند المؤمن أهم من الطلب لغيره، فكأنه ﷺ يقول له: فإذا دعوت بهذا الدعاء انتحت الحواجز بينك وبين العطاء، فاطلب حينئذ ما شئت، وادع بما أردت.
* ثم فيه أيضا أنه قال: (قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا) فجاء بذكر الظلم على نطق النكرة، ولم يعرفه بالألف واللام، فكان ينصرف إلى الظلم الذي هو الشرك، فلما أسند المغفرة إلى الله ﷿ قال: (ولا يغفر الذنوب إلا أنت) فجمعها بالألف واللام فقال: (الذنوب) والمراد بها الذنوب المعروفة المشهورة. ثم قوله: (فاغفر لي مغفرة من عندك) المعنى أنها لا تكون بسبب من عندي فتفنى وتنقضي؛ لأنه كل ما يكون مطلعه من فان فإنه يفنى ويضمحل، إنما المراد أن تكون المغفرة من الله الباقي فتبقى. ثم قال بعد ذلك (وارحمني) إذ الغفر في وضع اللغة: الستر والتغطية، فقد يغطى الشيء ولا تعقبه الرحمة، وقد يستر الأمر ولا يمحوه الصفح. فلما قال: فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، كان طلبا لمحو السيئة وتطييب أثرها.
1 / 51