92

الرائي وكون محله في بعض هذه الأوصاف وعدم الضياء المناسب للعين ، فمثال البعد المفرط الإنسان الذي يكون على بعد منا نحو بريد أو شبهه، والقرب المفرط كالميل في العين ونحو ذلك، والرقة كأجسام الملائكة والجن، واللطافة كالجوهر الفرد في اصطلاح المعتزلة، والحجاب الكثيف كالجدار والجبل وما يجري مجرى ذلك مما يحول بيننا وبين المرئي، وقولنا الكثيف احتراز عن الحجاب الرقيق كالزجاج ونحوه وكون المرئي في خلاف جهة الرائي وذلك نحو أن يكون المرئي خلف الرائي وكون محله في بعض هذه الأوصاف هذا مانع من رؤية اللون تبعا لمحله والموانع المتقدمة مانعة من رؤية المتحيزات وهذا يمنع من رؤية اللون فقط، وعدم الضياء يمنع من رؤية الجميع، ومثال عدم الضياء أن يفتح الإنسان جفنه في موضع مظلم فإنه لا يرى لما لم يكن هناك ضوء في الهواء يعين ضوء العين على الرؤية. فقد عرفت أن هذه الموانع لا تمنع إلا من رؤية الأجسام والألوان والله تعالى ليس بجسم ولا لون كما بينا فيما سلف وأقمنا عليه البرهان، ولا يصح ادعاء أن هناك مانعا سواه إذ لو جوزنا ذلك لجوزنا أن يكون بين أيدينا أجسام عظيمة ولا نراها لذلك المانع فترتفع الثقة بالمشاهدات ونجوز خلاف ما نعلمه ضرورة فكان يجوز أن يكون أحدنا على جناح نسر أو في لجة بحر ونحن لا نرى الجناح ولا النسر ولا البحر لمانع غير هذه، وهو تعالى موجود كما تقدم الكلام عليه وهذه الأمور الثلاثة هي الشروط التي تصح معها الرؤية للمرئيات، فلما لم نره تعالى مع وجودها علمنا أنه لا يرى، ودليل أنها شروط الرؤية للمرئي، أنها متى اجتمعت رأينا ما تصح رؤيته ومتى عدمت أو بعضها لم نره، وليس هناك أمر تعلق به الرؤية سوى مجموع هذه الشرائط إذ لو كان ثم أمر لصح اجتماعها ولا نرى الواحد منا بأن لا يحصل ذلك الأمر أو يصح أن يرى وإن لم تجتمع هذه الأمور بأن يحصل ذلك الأمر. وقد علمنا خلاف ذلك فصح أن هذه الشرائط التي معها ترى المرئيات، ومتى قيل هي موجودة فيقال بأنه يرى. وقولكم لم نره الآن دعوى تحتاج إلى دليل.

قلنا: الذي يدل عليه أنا لا نراه الآن، أنا لو رأيناه الآن لكان معلوما لنا بطريق المشاهدة ومعلوم ضرورة أنا لا نشاهده الآن إذ لو شاهدناه الآن لما اختلفت العقلاء فيه فهذا دليل الموانع.

وأما دليل المقابلة: فتحريره أن يقال الواحد منا إنما يرى بالشعاع والرآئي بالشعاع إنما يرى ما كان متحيزا أو مختصا بجهة يتصل بها الشعاع (فلو صحت رؤيته لكان متحيزا أو لاختص بجهة يختص بها الشعاع) وذلك باطل في حقه تعالى كما مر في نفي التجسيم.

فإن قيل إن هذين الدليلين العقليين إنما يدلان على أنا لا نراه تعالى وأما أنه لا يرى نفسه فلا دليل فيهما على ذلك.

Page 109