143

دليل آخر على أن الله لا يريد القبائح أنه قد ثبت أن الشياطين يريدون القبائح من العباد وثبت أن الأنبياء عليهم السلام كارهون لها فلو كان الله تعالى مريدا للقبائح كما تزعمه المجبرة لكانت الشياطين موافقين لله تعالى في إرادته ولكان الأنبياء عليهم السلام مخالفين لله سبحانه في إرادته وكل مذهب أدى إلى أن يكون الشيطان موافقا لله والنبي مخالفا له وجب القضاء بفساده. وأما ما يتعلق به المخالف من قوله لو وقع في ملك الله مالا يريده لكان ضعيفا عاجزا فذلك لايصح، لأنا نقول له إنما يدل على عجزه لو وقع على سبيل المغالبة ولاشك أن الله تعالى قادر على منع العصاة من القبيح لكن لو منعهم بالقهر لبطل التكليف، ولأن الله تعالى قد أمر بالطاعة ونهى عن المعصية فوجد في ملكه ما نهى عنه ولم يوجد في ملكه ما أمر به، وكما أن ذلك لا يدل على عجزه وضعفه كذلك في مسألتنا، وكذلك ما يتعلقون به من لفظ المشيئة نحو قوله تعالى{ولو شاء ربك ما فعلوه}(الأنعام:112) وقوله تعالى{ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا}(يونس:99) وغير ذلك، فنقول المراد بهذا كله وما أشبهه مشيئة الإكراه لأنه قادر على أن يجبر العباد على الإيمان وعلى أن يمنعهم من العصيان لكن لو منعهم من ذلك لبطل التكليف لأن من شرائط حسن التكليف زوال المنع والإلجاء وإذا منعهم الله تعالى لم يستحقوا على الحسن مدحا ولا ثوابا ولا على القبيح ذما ولا عقابا. يؤيد ذلك قول الله تعالى{سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون}(الأنعام:148) وقوله تعالى{وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا} إلى قوله{فهل على الرسل إلا البلاغ المبين}(النحل:35) فحكى الله عن المشركين أنه شاء شركهم وأكذبهم ووبخهم على ذلك وأخبر أنهم يتبعون الظن وقد قال {إن الظن لا يغني من الحق شيئا}(يونس:36) وأخبر أنهم يخرصون: والخرص هو الكذب ثم قال تعالى{قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا}(الأنعام:148) وهذا لا يقال إلا للمبطل. فثبت بهذه الجملة مذهبنا أن الله تعالى لا يريد الظلم ولا يرضى الكفر ولا يحب الفساد وبطل ما قاله المخالف.

Page 171