139

قلنا:قولكم مبني على أصل باطل وهو أنكم على زعمكم اعتمدتم ذلك بطريقة سبر وهو أن الباري لا يخلو إما أن يكون مريدا لذاته أو لغيره، باطل أن يكون مريدا لذاته للزوم أن توجد جميع المرادات إذ لا اختصاص لبعضها حينئذ، فإن كان لغيره فلا يخلو إما أن يكون فاعلا أو علة، باطل أن يكون فاعلا وإلا لزم أن يكون الباري من جنس المقدورات وقد مر بطلانه، فإن كان علة فلا يخلو إما أن تكون قديمة أو محدثة باطل أن تكون قديمة إذ لا قديم غير الله تعالى كما مر بيانه، بقي أن تكون لعلة محدثة وهو العرض الذي لا محل له المخلوق بغير إرادة، ونقول رمتم حصر الأقسام فما استوفيتموها ما لكم لا تقولون أولا لذاته ولا لغيره فإن هذا القسم المعتمد الذي قام عليه الدليل وذهب إليه أئمة العترة لأنه كما أنه فاعل لا بحركة فهو مريد لا بإرادة لوجوب كونه سبحانه في ذلك بخلاف المخلوق، وقولهم أنه خلقها ولم يردها باطل إذ المعلوم عند كل عاقل أن الفاعل إذا فعل شيئا لا يريده فهو إما زائل العقل أو ساه أو ملجأ والله يتعالى عن هذه الأوصاف، وقولهم أنها مختصة بالباري على أبلغ الوجوه لأجل كون الباري موجودا لا في محل، باطل أيضا لأنه إذا لم يجز أن يؤدي الدليل إلى إثبات عرض لا في محل في حق المخلوق لم يجز أن يؤدي إلى ذلك في حق الباري أولى وأحرى وهم مجمعون مع الأئمة على أنه يستحيل في الشاهد وجود عرض لا في محل ولم يستحل إلا لكونه عرضا ولا مخصص في ذلك العرض دون ماعداه وإلا لزم تجويز وجود حركة لا في متحرك وذلك باطل، وقولهم إن الدليل أداهم إلى ذلك في حق الباري لأجل كونه لا في محل باطل أيضا لأن جملة العالم لا في محل فيلزم اختصاصه بعرض لا في محل إذ العلة قائمة، ثم إنه لو جاز أن يثبت للباري إرادة لا في محل جاز أن نثبت له حركة لا في محل وشهوة لا في محل ونحو ذلك من المحالات، ومما يشهد بصحة هذه الجملة من أقوال الأئمة قول أمير المؤمنين علي عليه السلام: بقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر، ويحب ويرضى من غير رقة، ويغضب ويبغض من غير مشقة. وقوله عليه السلام ومشيئته الإنفاذ لحكمه، وإرادته الإمضاء لأموره. وقول علي بن الحسين عليهما السلام في توحيده: فاعل لا باضطراب، إلاه مقدر لا بجولان فكرة، مدبر لا بحركة، مريد لا بهمامة، وقول جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام في كتاب الإهليلجة: الإرادة من العباد الضمير وما بعد ذلك من الفعل فأما عن الله عز وجل فالإرادة للفعل إحداثه لأنه لا يرى ولا يتفكر. وقول الهادي إلى الحق عليه السلام في كتاب المسترشد: ألا ترى أن الفاعل لما لا يريد فجاهل مذموم من العبيد فكيف يقال ذلك (في الله) الواحد الحميد وقوله لا فرق بين إرادة الله ومراده وأن الإرادة منه هي المراد وأن مراده هو الموجود الكائن المخلوق.

Page 166