فالقرآن قد كان بجملته منظوما مجموعا معلوما على عهد رسول الله صلى الله عليه، وكانت السور معدودة لا يريب فيها منهم أحد غير انهم لم يكونوا قد جمعوها فيما بين الدفتين، ولم يلزموا القراء توالي سورها، فكان الواحد منهم يقرأ سورة البقرة ثم يقرأ سورة النساء أو الاعراف أو نحو ذلك، من غير ولاء للسور مفروض يوقف عليه، وذلك أن الواحد منهم إذا حفظ سورة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه أو كتبها، ثم خرج في سرية فنزل في وقت مغيبة سورة، فإنه كان إذا رجع يأخذ في حفظ ما نزل بعد رجوعه، وكتابه وتتبع ما فاته على حسب ما يتسهل له، فيقع في ما يكتبه تقديم وتأخير من هذا الوجه.
وقد كان منهم من يعتمد على حفظه فلا يكتب، على ما كان من عادة العرب في حفظها أنسابها وأشعار شعرائها من غير كتابة، ومنهم من كان يكتبها في مواضع مختلفة من قرطاس أو عسيب أو لخف على ما روي في الحديث ثقة منهم بما كانوا يعهدونه من جد المسلمين في حفظ القرآن وشدة تعهدهم له، فلا يرون لأكثرهم حاجة الى مصحف ينظر فيه (¬1) .
فلما أن مضى رسول الله صلى الله عليه لسبيله، وجند ]المهاجرون [ (¬2) والانصار أجنادا، فتفرقوا في أقطار الدنيا، واستحر القتل في بعضهم على ما روي في الحديث، خيف حينئذ أن يتطرق إليه ضياع، فأمر أبو بكر الصديق -رضوان الله عليه- بجمع السور بين الدفتين على الولاء الذي كان يحفظه من رسول الله صلى الله عليه، والذي حفظه أبي في العرضين الآخرين، وكان يحفظه زيد وغيره من المهاجرين والانصار /24ظ/ الذين كانوا أحدث عهدا بأخذ القرآن وحفظه، فكتبوا المصحف حينئذ (¬3) .
Page 112