باب القول في علل النحو
أقول أولًا إن علل النحو ليست موجبة، وإنما هي مستنبطة أوضاعًا ومقاييس، وليست كالعلل الموجبة للأشياء المعلولة بها، ليس هذا من تلك الطريق.
وعلل النحو بعد هذا على ثلاثة أضرب: علل تعليمية، وعلل قياسية، وعلل جدلية نظرية.
فأما التعليمية فهي التي يتوصل بها إلى تعلم كلام العرب، لأنا لم نسمع نحن ولا غيرنا كل كلامها منها لفظًا، وإنما سمعنا بعضًا فقسنا عليه نظيره، مثال ذلك أنا لما سمعنا قام زيد فهو قائم، وركب فهو راكب، عرفنا اسم الفاعل فقلنا ذهب فهو ذاهب، وأكل فهو آكل وما شبه ذلك، وهذا كثير جدًا وفي الإيماء إليه كفاية لمن نظر في هذا العلم. فمن هذا النوع من العلل قولنا إن زيدًا قائم، إن قيل: بم نصبتم زيدًا؟ قلنا: بإن: لأنها تنصب الاسم وترفع الخبر لأنا كذلك علمناه ونعلمه. وكذلك قام زيد. إن قيل: لم رفعتم زيدًا؟ قلنا: لأنه فاعل اشتغل فعله به فرفعه. فهذا وما أشبهه من نوع التعليم، وبه ضبط كلام العرب.
فأما العلة القياسية فأن يقال لمن قال نصبت زيدًا بإن، في قوله إن زيدًا قائم: ولم وجب أن تنصب "إن" الاسم؟ فالجواب في ذلك أن يقول: لأنها وأخواتها ضارعت الفعل المتعدي إلى مفعول، فحُملت عليه فأعملت إعماله لما ضارعته، فالمنصوب بها مشبه بالمفعول لفظًا، والمرفوع بها مشبه بالفاعل لفظًا، فهي تشبه من الأفعال ما قُدم مفعوله على فاعله، نحو ضرب أخاك محمدٌ وما أشبه ذلك.
1 / 64