Ictisam
الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
Investigator
سليم بن عيد الهلالي
Publisher
دار ابن عفان
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
Publisher Location
السعودية
وَفِيهِمْ نَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] الْآيَةَ.
فَوَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَوْصَافٍ؛ مِنْهَا: أَنَّهُمْ أَحُصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ أَيْ: مُنِعُوا وَحُبِسُوا حِينَ قَصَدُوا الْجِهَادَ مَعَ نَبِيِّهِ ﷺ، كَأَنَّ الْعُذْرَ أَحْصَرَهُمْ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ؛ لِاتِّخَاذِ الْمَسْكَنِ وَلَا لِلْمَعَاشِ؛ لِأَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ كَانَ أَحَاطَ بِالْمَدِينَةِ، فَلَا هُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ حَتَّى يَكْسِبُوا مِنْ غَنَائِمِهِ، وَلَا هُمْ يَتَفَرَّغُونَ لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا لِخَوْفِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلِضَعْفِهِمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَلَمْ يَجِدُوا سَبِيلًا لِلْكَسْبِ أَصْلًا.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٧٣] أَنَّهُمْ قَوْمٌ أَصَابَتْهُمْ جِرَاحَاتٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَصَارُوا زَمْنَى.
وَفِيهِمْ أَيْضًا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ﴾ [الحشر: ٨].
أَلَا تَرَى كَيْفَ قَالَ: أُخْرِجُوا، وَلَمْ يَقُلْ: خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ؟! فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجُوا اخْتِيَارًا، فَبَانَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا خَرَجُوا اضْطِرَارًا، وَلَوْ وَجَدُوا سَبِيلًا (أَنْ) لَا يَخْرُجُوا؛ لَفَعَلُوا؟ فَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الْمَالِ اخْتِيَارًا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِلشَّارِعِ، وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الشَّرِيعَةِ.
1 / 261