فيذكر في خطبته أقوالًا غالية، وزندقة ظاهرة، كقوله: علي بن أبي طالب ﵁ محيي الأموات، البشري الإلهي..، فقُبض عليه، وجاء خطيب سني، فخطب الجمعة، فضربه عامة الشيعة، حتى كسروا أنفه وخلعوا كتفه، كادوا أن يقتلوه.. فانتصر الخليفة القادر لأهل السنة، وأهان الشيعة وأذلهم، وكتب الخليفة القادر كتابًا يحوي تفصيل هذا الواقعة، وما عند الرافضة من الإلحاد والانحراف، والتغليظ عليه وتهديدهم.. ثم اعتذر الرافضة عما فعلوه. (١)
وإقصاء خطباء الشيعة وتولية خطباء من أهل السنة لهو دليل ظاهر على حكمة الخليفة القادر وقوته، فلا يخفى انتشار التشيع، وتغلغل نفوذهم آنذاك، سواءً من قبل البويهيين أو العبيديين، خاصة وأن الحاكم العبيدي قد بثّ دعاته في بلاد المشرق، فعمد الخليفة القادر إلى مدافعة ذلك فعزل خطباء الشيعة، وولّى خطباء من أهل السنة، من أجل نشر المذهب السني، وإيقاف المدّ الشيعي، ولما يحققه من نفوذ للخليفة العباسي.
المبحث الرابع: جهوده تجاه الباطنية
استفحل نفوذ العبيديين - في عصر القادر بالله - فنشط دعاتهم في نشر المذهب الباطني، وانتشروا في أطراف البلاد، فكان رسل العبيديين ودعاتهم يفدون من مصر إلى الأمراء والسلاطين، فدخل بعضهم في دعوتهم (٢)، وخطب بعض الأمراء للحاكم العبيدي وأظهر الطاعة له (٣)، بل أفضى الأمر إلى الخطبة في الحرمين سنة ٣٩٦هـ، وأمِر الناس بالقيام عند ذكره..
قال الحافظ الذهبي- معلقًا على تلك الحادثة -:- "فإنا لله وإنا إليه راجعون، فلقد كان هؤلاء العبيديون شرًا على الإسلام وأهله من الشر. (٤) "
وقد أشار شيخ الإسلام إلى انتشار دعوة الباطنية قائلًا:
"وكانت قد انتشرت إذ ذاك دعوة الملاحدة المنافقين الذين كانوا إذ ذاك بمصر، وقد بنوا القاهرة وغيرها، ولهم دعاة من أقاصي الأرض بالمشرق وغيره، وكان والد ابن سينا منهم.
وفي ذلك صنف الناس الكتب في كشف أسرارهم وهتك أستارهم.. (٥) "
_________
(١) . انظر: المنتظم ١٥/١٩٨ -٢٠١، والكامل ٩/٣٩٣، والعبر ٣/١٣٤، ١٣٥، والبداية ١٢/٢٦، ومرآة الجنان لليافعي ٣/٣٤، ٣٥.
(٢) . انظر: الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي صـ ٢٩٢، ٢٩٣، وسير أعلام النبلاء ١٥/١٣٢، والبداية ١٢/٢٩، وأصول الإسماعيلية ١/٢٨٢.
(٣) . مثل بعض الولاء في أرض خوارزم، وفي المقابل فإن بعض الأمراء سخر من دعوة الحاكم قائلًا: إني لا أذكرك إلا على المستراح، وبعضهم كتب على ظهر كتابه: "قل يا أيها الكافرون"، وعمد بعض الأمراء إلى قتل بعض دعاة الحاكم.
انظر: الفرق بين الفرق صـ ٢٩٢.
(٤) . تاريخ الإسلام ٢٧/٢٣٤.
(٥) . نقض التأسيس ٢/٣٣١.
1 / 240