Ictiqad
الاعتقاد للبيهقي - ت: أبو العينين
Investigator
أحمد عصام الكاتب
Publisher
دار الآفاق الجديدة
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٠١
Publisher Location
بيروت
بَابُ ذِكْرِ بَعْضِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حُدُوثِ الَعَالَمِ، وَأَنَّ مُحْدِثَهُ وَمُدَبِّرَهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ قَدِيمٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا شَبِيهَ قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الصَّائِغُ، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [البقرة: ١٦٣]، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَجِبَ الْمُشْرِكُونَ، وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ: إِنَّ إِلَهَكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [البقرة: ١٦٤]، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤] قَالَ الشَّيْخُ ﵀: فَذَكَرَ اللَّهُ ﷿ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ بِمَا فِيهَا ⦗٣٩⦘ مِنَ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ الْمُسَخَّرَاتِ، وَذَكَرَ خَلْقَ الْأَرْضِ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبِحَارِ، وَالْأَنهَارِ، وَالْجِبَالِ وَالْمَعَادِنِ، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَخْذَ أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ، وَذَكَرَ الْفُلْكَ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ، وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ الْمَطَرِ الَّذِي فِيهِ حَيَاةُ الْبِلَادِ، وَبهِ وَبِمَا وَضَعَ اللَّهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ تَعَاقُبِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ يَتِمُّ رِزْقُ الْعِبَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ، وَذَكَرَ مَا بَثَّ فِي الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ مُخْتَلِفَةِ الصُّوَرِ وَالْأَجْسَادِ مُخْتَلِفَةِ الْأَلْسِنَةِ وَالْأَلْوَانِ، وَذَكَرَ تَصْرِيفَ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا فِيهِمَا مِنْ مَنَافِعِ الْحَيَوَانَاتِ، وَمَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. ثُمَّ أَمَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى بِالنَّظَرِ فِيهِمَا، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [يونس: ١٠١] يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنَ الْآيَاتِ الْوَاضِحَاتِ وَالدَّلَالَاتِ النَّيِّرَاتِ، وَهَذَا لِأَنَّكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ هَيْئَةَ هَذَا الْعَالَمِ بِبَصَرِكَ، وَاعْتَبَرْتَهَا بِفِكْرِكَ، وَجَدْتَهُ كَالْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ الْمُعَدِّ فِيهِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَاكِنُهُ مِنْ آلَةٍ وَعَتَادٍ، فَالسَّمَاءُ مَرْفُوعةٌ كَالسَّقْفِ، وَالْأَرْضُ مَبْسُوطَةٌ كَالْبِسَاطِ، وَالنُّجُومُ مَنْضُودَةٌ كَالْمَصَابِيحِ، وَالْجَوَاهِرُ مَخْزُونَةٌ كَالذَّخَائِرِ، وَضُرُوبُ النَّبَاتِ مُهَيَّأةٌ لِلمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَآرِبِ، وَصُنُوفُ الْحَيَوَانِ مُسَخَّرَةٌ لِلمَرَاكِبِ مُسْتَعْمَلةٌ فِي الْمَرَافِقِ، وَالْإِنْسَانُ كَالْمُمَلَّكِ لِلْبَيْتِ الْمُخَوَّلِ مَا فِيهِ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَالَمَ مَخْلُوقٌ بِتَدْبِيرٍ وَتَقْدِيرٍ وَنِظَامٍ، وَأَنَّ لَهُ صَانِعًا حَكِيمًا تَامَّ الْقُدْرَةِ بَالِغَ الْحِكْمَةِ، وَهَذَا فِيمَا قَرَأْتُهُ مِنْ كِتَابِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ ﵀ ⦗٤٠⦘ قَالَ الشَّيْخُ ﵀: ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَضَّهُمْ عَلَى النَّظَرِ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ خَلْقِهِ فِي آيَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٥] يَعْنِي بِالْمَلَكُوتِ الْآيَاتِ، يَقُولُ: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِيهَا نَظَرَ تَفَكُّرٍ وَتَدَبُّرٍ؟ حَتَّى يَسْتَدِلُّوا بِكَونِهَا مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَالتَّغَيُّرَاتِ عَلَى أَنَّهَا مُحْدَثَاتٌ، وَأَنَّ الْمُحْدَثَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ صَانِعٍ يَصْنَعُهُ عَلَى هَيْئَةٍ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمُحْدَثَاتِ، كَمَا اسْتَدَلَّ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ ﵇ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ فَانْقَطَعَ عَنْهَا كُلِّهَا إِلَى رَبٍّ هُوَ خَالِقُهَا وَمُنْشِئُهَا، فَقَالَ: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٧٩]
1 / 38