149

Al-Iʿtibār fī al-nāsikh waʾl-mansūkh min al-āthār

الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار

Publisher

دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد

Edition Number

الثانية

Publication Year

١٣٥٩ هـ

Publisher Location

الدكن

Genres

Ḥadīth
مُعَاوِيَةُ: أُمُّ حَبِيبَةَ طَيَّبَتْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَتَرْجِعَنَّ فَلْتَغْسِلَنَّهُ. وَلَوْ بَلَغَ عُمَرَ مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ لَرَجَعَ إِلَى خَبَرِهَا، وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْهُ فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ كَمَا قَالَ سَالِمٌ.
وَاحْتَجَّ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهُ - بِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الرَّجُلِ يَتَطَيَّبُ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا؛ لَأَنْ أَطَّلِيَ بِالْقَطِرَانِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَفْعَلُ ذَلِكَ. فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتُهَا؛ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ إِحْرَامِهِ، ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا.
وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَصَابَهُنَّ حَتَّى وَجَبَ الْغُسْلُ، بَلِ النَّبِيُّ ﷺ كَثِيرًا مَا كَانَ يَطُوفُ عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصِيبَهُنَّ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: قَلَّ يَوْمٌ - أَوْ مَا كَانَ يَوْمٌ - إِلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا فَيُقَبِّلُ وَيَلْمَسُ مَا دُونَ الْوِقَاعِ، فَإِذَا جَاءَ عَنِ الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا بَيَّتَ عِنْدَهَا ثُمَّ إِنْ دَلَّ هَذَا
الْحَدِيثُ دَلَالَةً مَا عَلَى أَنَّهُ اغْتَسَلَ بَعْدَ مَا تَطَيَّبَ، أَوِ اغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ، فَحَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ ثَلَاثٍ، تَعْنِي وَهُوَ مُحْرِمٌ، يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ عَيْنِهِ وَأَثَرِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ وَبِيصَ الشَّيْءِ بَرِيقُهُ وَلَمَعَانُهُ، وَلَا يَكُونُ لِرَائِحَةِ الْمِسْكِ وَالطِّيبِ بَرِيقٌ وَلَا لَمَعَانٌ.
ثُمَّ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنْ نَقُولَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا طَيَّبَتْهُ مَرَّةً ثَانِيَةً بِالْمِسْكِ بَعْدَ الْغُسْلِ حَتَّى تَرَى بَرِيقَهُ وَلَمَعَانَهُ فِي مَفْرِقِهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ، أَوْ طَيَّبَتْهُ بِذَلِكَ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَبَقِيَ أَثَرُهُ فِي مَفَارِقِهِ بَعْدَ الْغُسْلِ حَتَّى كَانَتْ تَرَاهُ؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ مَعْنًى، وَالْمَعَانِي لَا تُوصَفُ بِالرُّؤْيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: حَدِيثُ عَائِشَةَ ثَابِتٌ، لَا مَطْعَنَ فِيهِ لِأَحَدٍ، وَإِذَا ثَبَتَتِ السُّنَّةُ اسْتُغْنِيَ بِهَا عَنْ كُلِّ قَوْلٍ، وَهُوَ يُلْزِمُ مَالِكًا؛ لِأَنَّهُ رَوَاهُ.

1 / 149