أو كصيب: معطوف على قوله: {كمثل الذي استوقد}(البقرة: 17)، وحذف مضافان، إذ التقدير: أو: كمثل ذوي صيب، نحو قوله تعالى: كالذي يغشى عليه من الموت}(الأحزاب: 19)، أي كدوران عين الذي يغشى عليه. وأو هنا للتفصيل، وكان من نظر في حالهم منهم من يشبهه بحال المستوقد، ومنهم من يشبهه بحال ذوي صيب، ولا ضرورة تدعو إلى كون أو للتخيير. وإن المعنى أيهما شئت مثلهم به، وإن كان الزجاج وغيره ذهب إليه، ولا إلى أن أو للإباحة، ولا إلى أنها بمعنى الواو، كما ذهب إليه الكوفيون هنا. ولا إلى كون أو للشك بالنسبة للمتخاطبين، إذ يستحيل وقوعه من الله تعالى، ولا إلى كونها بمعنى بل، ولا إلى كونها للإبهام، لأن التخيير والإباحة إنما يكونان في الأمر أو ما في معناه. وهذه جملة خبرية صرف. ولأن أو بمعنى الواو، أو بمعنى بل، لم يثبت عند البصريين، وما استدل به مثبت ذلك مؤول، ولأن الشك بالنسبة إلى المخاطبين، أو الإبهام بالنسبة إليهم لا معنى له هنا، وإنما المعنى الظاهر فيها كونها للتفصيل.
والكاف في موضع رفع لأنها معطوفة على ما موضعه رفع. والجملة من قوله: {ذهب الله بنورهم}(البقرة: 17) إذا قلنا ليست جواب لما جملة اعتراض فصل بها بين المعطوف والمعطوف عليه، وكذلك أيضا صم بكم عمي}(البقرة: 18) إذا قلنا إن ذلك من أوصاف المنافقين. فعلى هذين القولين تكون الجملتان جملتي اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه، وقد منع ذلك أبو علي، ورد عليه بقول الشاعر:
لعمرك والخطوب مغيرات
وفي طول المعاشرة التقالي} لقد باليت مظعن أم أوفى
ولكن أم أوفى لا تبالي
ففصل بين القسم وجوابه بجملتي الاعتراض. {من السماء} متعلق بصيب فهو في موضع نصب ومن فيه لابتداء الغاية، ويحتمل أن تكون في موضع الصفة فتعلق بمحذوف، وتكون من إذ ذاك للتبعيض، ويكون على حذف مضاف التقدير، أو كمطر صيب من أمطار السماء.
Page 72