Icjaz Quran
إعجاز القرآن والبلاغة النبوية
Publisher
دار الكتاب العربي
Publisher Location
بيروت
Genres
Quranic Sciences
الأقوال في الإعجاز
واعلم أننا لسنا نلتمسُ بما نتأتى إليه من هذا الفصل، ونستأتي به تعبَ الكتابة في سرده، ونصبنا له من استقراء مذاهب القوم وآرائهم - أن نقيم من ذلك برهانًا صحيحًا، أو نقدم رأيًا
صريحًا، فإن هذا بعض ما لا يُطمع فيه ولا يَرد التعب منه شيئًا على المباحث يكون فيه مطمع فلقد
أبعدَ القوم في المقايسة وأمعنوا في المذاكرة، وأطالوا في الخصومة، وفخموا ما شاءوا، ومضغوا
من الكلام ما ملأ أفواههم، وجاءوا بما هو لعَمَري فلسفة ومنطق؛ بيد أنهم في كل ذلك إنما توافوا على صنيع واحد من الرد بعضهم على بعض فمن فَلَجَ بحجته فقطع خصمه عن المعارضة،
وأفحمه دون المناضلة كان الرأي في الإعجاز ما رآه هو، وكان أكبر البرهان على صوابه عجز خصمه عن تخطئته. .
وهذه سبيل من الكلام لا يزال أذاها حاضرًا، وسالكها حائرًا، فإنه ما يندفع إليها رأيان متناقضان إلا كان أقواهما معتبرًا صوابًا بحتًا، لا بقوته ولكن بضعف الآخر، وإن كان هو في نفسه
خطأ صراحًا وفسادًا صرفًا أو جهلًا وإحالة.
وقد مضى أكثر المتكلمين من رؤوس الفرق الإسلامية على أن لا يبالوا أن يُضرَبوا بآرائهم صَفحًا، ولهم في ذلك صلابة يوهِمون أنها صلابة أهل الحق وعناد يلتبس باليقين على العامة
وأشباه العامة من أتباعهم فلا تنفعهم نافعة حتى يأخذوا بآرائهم وينتحلوها، ثم لا تكون لهم الخِيرَة من أمرهم بعد ذلك فيما يأخذون وما يَدَعون.
وقد أسلفنا في غير هذا الموضع أن كل فرقة انشعبت في الإسلام وانبسط لها ظل - فإنما هي عقلُ رجل ذكي واحد؛ بالغًا ما بلغ أتباعُها ومنتحِلو عقائدها؛ فإن نبغ في هؤلاء عقل آخر
انصدعت الفرقةُ فخرجت منها فرقة ثانية، وهلم جرًا.
فالمقِرُّ من أولئك كالمنكر من هؤلاء، ما دام سبيل جميعهم من صناعة الكلام، وعلى ناحية المكابرة، وما دام نفي الشك بقوة المنطق كأنه في المنطق إقرار اليقين بقوة الحق فإن سقت الشبهة
وبَطلَ الاعتراض - ولو من عجز أو عي أو ما هو في حكمها من عوارض المنطق - فلذلك هو العلم المحض والرأي الصريح، وإلا فما دام للشبهة ظل، وللاعتراض وجه - ولو من المعارضة
والمكابرة - فلا قرار لذلك الرأي، ولا ثبوت لذلك العلم، ولا يبلغ الجدال منهما رأيًا ولا علمًا.
وعلى هذه الجهة رأينا كل أقوالهم في إعجاز القرآن: لا يصنعون شيئًا دون أن يُنكر ويدفعَ من ينكر من يدفع، فإما أن تتعارض الحجج الكلامية فتُسقِط بعضها بعضًا، وإما أن تقوى واحدة
منهن فتُسقط الباقيات وتبقى هي كلامًا من الكلام لا تصلح لنفي ولا إثبات.
وليس مَن طلب الحق ليعرفه كالذي يطلبه ليعرَف به، فإن الأول يُنصف من نفسه كما
1 / 99