Ibrahim Thani
إبراهيم الثاني
Genres
ستين جنيها ليس إلا. وبعث بها إلى من طلاها وأعاد إليها جمال الشكل وبهاء المنظر. وأعدها - ومعها سائقها - أمام الباب فى ساعة معينة. فعل هذا كله دون أن يخبر زوجته. وفى مأموله أن يفاجئها بما يعتقد أنه يسرها. ودعاها إلى الخروج، وفى عينيه بريق يكاد يفضحه، فما كان يحسن التكلف. فنظرت إلى وجهه مستغربة، وخرجت طائعة، فلما رأت السيارة وقفت والتفتت إليه وسألته: «ما هذا؟» قال: «أتعجبك؟» قالت: «إنها جميلة. ولكنى لا أفهم». قال: «إنها لك». قالت: «لى أنا؟ متى اشتريتها؟ ولماذا لم تخبرنى؟» قال: «لو أخبرتك لما كانت هناك مفاجأة». فعبست وقالت: «ولكن هذا إسراف». وغالبت نفسها فتبسمت وفتحت الباب ودخلت. ولما انطلقت بهما السيارة قالت له: «لولا خوفى عليك لقلت لك تعلم قيادتها، لنقتصد على الأقل أجر السائق». قالى: «لا تخافى على. سأتعلم وأعلمك أيضا فما اشتريتها إلا لك».
وصمتا برهة قالت بعدها: «لا تظن أنى غير شاكرة فإنى شاكرة. ولكن الثمن الذى ذهب فيها، والتكاليف، وأجر السائق! أليست هذه مجازفة؟»
قال: «ربما. ولكن الذى لا يجازف لا ينال شيئا». وتمتم: «وفاز باللذة الجسور».
وسرت تحية، فما كان يسعها إلا أن تسر بالتفاتته هذه. وخيل إليها أنها بداية لعودة العصفور إلى عشه، لا بجسمه، فما كان فارقه، بل بقلبه وروحه. ولكنها على هذا لم تكن تبدو سعيدة كما كان يرجو أن يراها. وبدا له أن الحزامة أن يصارحها، فما يطيق أو يستطيع أن يظل معها هكذا متكلفا متظاهرا بالرضى، وأن يدعها تتعمل وتتكلف هى أيضا، ولعل خواطرها سود حالكة. وما ثم خير فى ترك الأمور تستفحل وتتفاقم وفى الوسع منعها من ذلك. وقد لا تجدى المصارحة، ولكنها على التحقيق لن تزيد الحال سوءا.
واغتنم الفرصة ذات ليلة، وهما يشربان الشاى وحدهما قبيل النوم - وكانت تلك عادتهما - فقال لها إنه يراها متغيرة منذ زمن وإنه جاهد ليردها إلى سابق العهد بها، ولكنه لا يرى أنه أفلح. فما هى الحكاية؟ فحاولت أن تهرب من الموضوع، وزعمت أن النعاس يغالبها، ويكاد يثنى رأسها على صدرها، وأن للكلام وقتا آخر، إذا كان لا بد من ذلك، فألح وأصر. فقالت له إنها لا تستغرب أن تكون تغيرت، فإنه هو أيضا قد تغير. ولعل مرد الحالين إلى أمر واحد. فسألها: «هل تعنين عايدة؟»
قالت: «لا أحب أن أذكرها بغير الخير. وإنى لأرثى لها وأتوجع لما حاق بها وصارت إليه. ولكنى لا أكتمك أن حكايتها معك قد أورثتنى برغمى هذا الذى تنكره من حالى. وثق أنى لا أسىء بك الظن، ولكنى امرأتك، ولا أكون أنثى إذا لم يصبنى ما أصابنى».
قال: «لقد كنت أراها كل يوم تقريبا، وكنت تعرفين ذلك، وكنت أنبئك أنا إذا لم تعرفى، وكنت أحرص على هذا لتطمئنى. على أنى أقول لك إنى أؤثر المرأة التى لها عقل رجل ، لا لأنها تكون أحلى أو أفتن، بل لأنى أرانى عاجزا عن فهمها إذا لم تكن كذلك».
قالت، وهى تبتسم: «بل أحلى منها عقل امرأة وزينة امرأة».
قال: «هذا صحيح، وليست المرأة امرأة إلا بذلك، ولكن الأخرى التى يكون لها عقل رجل، تجذبنى لأنها شاذة، ونادرة. وأقول لك إنى أحمد عهد عايدة ولا أزال أذكره شاكرا. ولكن الطريق الذى سرنا فيه لم يفض بنا إلى ما يدعو إلى هذا منك».
قالت: «كان يمكن».
Unknown page