Ibrahim Thani
إبراهيم الثاني
Genres
قالت: «والوجه الحسن»؟
قال: «هذا أتركه لحامد».
ولم يدر لماذا قال هذا. وكأنما لم تلتفت إلى ما سمعت، فسألته ورفعت حاجبيها قليلا: «والمخض؟»
فابتسم، وأطرق هنيهة ثم رفع رأسه، وحدق فى وجهها الشاحب، وهم بكلام، ثم عدل.
وتركها ... إلى الجزيرة.
3
وقال لعمه - كما اعتاد أن يدعوه -: «إن ضيفكم يدعوكم أن تكونوا ضيوفه».
فضحك الشيخ وصار فمه الفارغ كمدخل الكهف. وكان فى يده مغزل وصوف يصنع منه جوارب للشتاء. وقال إنه ليس هناك ضيف ومضيف. فقال إبراهيم: «إنما أعنى أن الجزيرة أحلى وأطيب، وأن المقام فيها أحرى أن يكون حميدا فى كل وقت». وألفى نفسه قد حمس وهو يقول: «ثق يا عم أنها قطعة من الجنة وإن كانت كلها بطيخا، وليس فيها سوى حوض واحد صغير من الورد خلف الكشك. ولكن أليس البطيخ نصف فاكهة أمة محمد؟ وما أراها ينقصها إلا الحور العين، فأرسلهن إليها، وأطلقهن فيها واعمرها بهن، وسأسبقهن لأعد لهن متكات أو حصيرا مما فى المخزن. وما أظن أن الحصير مما يفرش فى الجنة لأهلها السعداء، ولكننى أظن أن الحصير فى جنة، يكون أوثر من السجاد العجمى، والعبرة بشعورك بأنك فى جنة».
واضطجع فى الزورق ويده على الدفة، وأمامه فى وسط الزورق عم آدم يجدف، وطاف برأسه خيال كريمة، فانطلق يفكر فيها وفى شبابها الغض وشعرها الوحف، وتذكر أنهما تقاذفا كرة قبل بضع سنوات، فكان ثدياها الناهدان يرتجان، فكف عن ملاعبتها إشفاقا على نفسه.
وكان لطول ما استنفدت الوحدة من حياته كثير التفكير طويله، يستطرد من خاطر إلى خاطر ببطء وعلى مهل، كالذى أمامه الدهر كله فلا موجب للعجلة. ومن أجل ذلك كانت عباراته - حين يتحدث - قصيرة موجزة، وأشبه بفهرس الكتاب، تومئ إلى ما فيه ولا تبسطه، إلا حين يقصد إلى الإفهام، أو يرى مدعاة للبيان. وكان فى الأغلب هادئا لا يكاد يخرجه شىء عن طوره، ولا يسبق لسانه عقله وإن كان عصبيا، لطول ما راض نفسه على الحلم والاتزان.
Unknown page