Ibrahim Abu Anbiya
إبراهيم أبو الأنبياء
Genres
وقد ذكرهم القرآن الكريم غير مرة ، وجاء في سورة البقرة: (62):
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
ولا نعلم اليوم على التحقيق تفصيل عبادتهم في أيام الدعوة الإسلامية، ولكنهم كانوا ولا يزالون ينزهون الله غاية التنزيه ويقولون: إن الكواكب ملائكة نورانية. ولم تكن لهم هياكل ولا أصنام عند ظهور الإسلام، ولا بد عندهم من مخلوق متوسط بين الروحانية والمادية يهدي الناس إلى الحق؛ لأن الروحانيات مخلوقة من كلام الله جل وعلا، دعاها بأسمائها فوجدت، ولا يصل كلام الله إلى الناس إلا بوساطة مخلوق بين النور والتراب، ترفعه الرياضة والهداية، وتؤثره نعمة الله.
وأقرب ما نشبه به هذه العقيدة أنها كالحوض الذي تصب فيه مسارب الماء من كل مورد، فإذا أخذت ماءه فحللته وجدت فيه أثرا من كل مسرب، ولكنها توجد فيه على امتزاج، ولا بد من الجهد لتصفيتها والرجوع بكل جزء من أجزائها إلى ينبوعه الذي صدر منه في أصله البعيد.
وهكذا العقيدة الصابئية في امتزاج عناصرها وعلاقة كل عنصر منها بالعناصر الأخرى، ولكنها على هذا الامتزاج مهمة جدا في البحث عن تلك العقائد، وبخاصة عقيدة الخليل.
فهي مهمة من وجهة المكان؛ لأنها قديمة العلاقة بكل مكان تعلقت به سيرته عليه السلام، من جنوب الفرات إلى شماله، إلى بلاد السريان، إلى بلاد النبطية من شمال الحجاز.
وهي مهمة من وجهة زمانها؛ لأن لغتها المقدسة تشير إلى زمان متوسط بين اللغات القديمة المهجورة واللغة السريانية الحديثة، ولم تكن لغة إبراهيم سريانية حديثة كالتي بقيت إلى الزمن الأخير، ولم تكن إحدى اللغات المهجورة التي يجمع المؤرخون موادها مبعثرة متفرقة، ولا يفهمون مفرداتها وتراكيبها وقواعدها؛ فإن تلك اللغات المهجورة قد انقطعت صلتها بمن بعدها على خلاف لغة الخليل.
فإذا أشارت لغة الصابئة إلى زمن متوسط بين اللغات المهجورة واللغات السامية المتأخرة، فهي إحدى القرائن التي يستعان بها على تعيين زمان الخليل. •••
وهي مهمة من جهة موضوعها؛ لأنها ترينا ملتقى التوحيد القديم والوثنية القديمة، وفيها بقايا الاصطدام بين العقيدتين، وقد يكون مدار الاختلاف بين عقيدة الخليل ومخالفيه حول هذا المصطدم، فإن بقايا التنازع بين المعتقدات ظاهرة في العقائد الصابئية يكاد بعضها أن يكون ردا على البعض الآخر، فلا وثنية ولا إيمان بالكواكب من جهة، ولا خلاص في الوقت نفسه من الوثنية والإيمان بالكواكب على صورة من الصور، ولعل العقيدة الصابئية - كما بقيت - خليط مجتمع من الجانبين بعد هجرة إبراهيم وشيعته من وطنهم القديم.
ومن هنا كانت نحلة الصابئة مهمة في دراسة الأديان على العموم، ودراسة دين إبراهيم على الخصوص، وكان لها في ذلك شأن لا يناسب عددها القليل وعزلتها التي فرضتها على نفسها وفرضتها عليها أحداث الأيام.
Unknown page