ثم استشاره في خصومه؛ إذ كان هم بقتل بعضهم فصرفه عن ذلك وأثنى عليهم. وكان ابن مخلوف المالكي، يقول: ما رأينا أفتى (من الفتوة والمروءة) من ابن تيمية، سعينا في دمه، فلما قدر علينا عفا عنا.
12
واستمر الشيخ بالقاهرة على ما أخذ نفسه به من الاشتغال بالعلم والفتوى، والناس والأمراء والجند يترددون عليه، وكذلك الفقهاء الذين أخذ بعضهم في الاعتذار إليه. ثم عاد إلى دمشق بعد غيبته عنها أكثر من سبع سنين، وكان هذا سنة 712. (6)
لبث الشيخ بعد أن عاد إلى دمشق بضع سنين لا يزعجه خصومه، فتفرغ لنشر العلم والتأليف والإفتاء، ولكنه تكلم في مسألة الحلف بالطلاق وهي من المسائل الفقهية التي تفرد في عصره بالقول بها، ورأيه أنه لا يقع الطلاق بالحلف به بدل الحلف بالله، ولكن على الحالف إذا حنث في يمينه كفارة اليمين المعروفة في القرآن. كما كان رأيه أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد لا يقع به إلا طلقة واحدة رجعية.
ولكن القوم وجدوا الأمر خطيرا، فإن الحلف بالطلاق يقع به الطلاق عند الحنث في رأيهم، فصدر سنة 718 مرسوم سلطاني بمنعه من الفتوى بعدم وقوع الطلاق، وعقد لذلك مجلس ونودي بذلك في البلد ليكون الناس على بينة من أمورهم.
ولم يقفه هذا المرسوم عن الجهر برأيه لكل من يستفتيه، وقال: لا يسعني كتمان العلم، واستمر على هذا حتى حبس بالقلعة خمسة أشهر وثمانية عشر يوما، ثم أخرج من السجن بعد ذلك وعاد إلى ما كان عليه من الاشتغال بالعلم والتعليم.
13
وقد أجمل ابن رجب ما كان في هذه المسألة بكلام واضح وذلك إذ يقول: ثم في سنة 718 ورد كتاب من السلطان بمنعه من الفتوى في مسألة الحلف بالطلاق بالتكفير،
14
وعقد له مجلس بدار السعادة، ومنع من ذلك ونودي به في البلد.
Unknown page