وابن تيمية لم يكن على ما عليه الجمهور من علماء الدين هذه الأيام، بل كان مؤمنا حقا بالله، عاملا بشريعته، متوكلا حق التوكل عليه، معتزا بحوله وقوته، عالما بأن الجهاد في سبيل الله والوطن من أفضل القربات إلى الله، وأنه فرض على القادر عليه بنفسه وماله أو بهما كليهما معا، موقنا بأن الله لا يضيع أجر المجاهدين والعاملين، وبأنه تعالى فضل المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما.
لم يتردد، إذن، الشيخ ابن تيمية في أن يكون في طليعة المجاهدين للتتار بنفسه، هؤلاء الذين زحفوا على الشام كالطوفان أو السيل العرم، والذين لا تصلهم وشيجة بالعرب أو الإسلام من جنس أو عقيدة، والذين كانوا يرون أنه لن تقف أمة أو دولة أو قوة أمامهم في أي بلد من البلاد في العالم كله.
وهنا يظهر ابن تيمية العالم العامل، المؤمن القوي، المجاهد في سبيل الله وأمته حامية دينه وشريعته ومثله العليا، فتكون له مع هذا العدو الداهم مواقف محمودة من الله والناس، وتكون لهذه المواقف آثارها العظيمة في إذكاء الروح الديني والوطني لدى الملوك والسلاطين وعامة الناس.
وتكون النتيجة أن عرف التتار الهزيمة الساحقة بعد طول انتصارهم، وبذلك كفى الله أخيرا الإسلام والعرب والمسلمين شرهم إلى الأبد.
مواقف مجيدة
ونحن نذكر هنا بعض هذه المواقف المجيدة، وبهذا يتبين لنا أي رجل كان ابن تيمية في هذه الناحية بعد أن عرفنا سابقا كيف كان في علمه وفضله ودينه: (1)
لما زحف التتار على الشام، وتسامع الناس بأنهم يريدون أيضا قصد مصر، تملك الرعب قلوب الأهلين، واتفق بعض أعيان البلد والشيخ على لقاء ملكهم قازان
4
فذهبوا إليه وتكلم معه ابن تيمية كلاما شديدا، وكانت الغاية أخذ الأمان لأهل دمشق ثم إيقاف زحفهم الداهم وإنقاذ العباد والبلاد منهم.
ويشير بعض المؤرخين إلى هذه المقابلة (كانت سنة 699) بقوله: إن شجاعته كانت تضرب بها الأمثال، وببعضها يتشبه أكابر الأبطال، وقد أقامه الله في نوبة غازان، وقام بأعباء الأمر بنفسه، واجتمع بالملك مرتين، وكان «سيف الدين قيجق المنصوري»
Unknown page