وكان عز الدين أشعريا في عقيدته، وكان السلطان ميالا إلى المحدثين والحنابلة، فآمن بما قالوه، وصار يعتقد أن من يخالف ذلك من الأشاعرة يكون كافرا حلال الدم.
وهكذا بدأت الفتنة تقوم، وصارت قضية كبيرة بين العز وخصومه يؤيدهم السلطان وشغل العلماء بذلك، بل شمل القلق والاهتمام بالأمر القاهرة أيضا. وبعد رسائل كتبها الشيخ في بيان الحق الذي لا يخاف فيه أحدا حتى السلطان، وبعد رده على ما رآه هذا ردودا عنيفة، حكم السلطان عليه بألا يفتي أحدا ولا يجتمع بأحد، وبأن يلزم بيته.
وهكذا انتصر خصومه، ولكنه كان لا يبالي لأنه صدع بالحق. إلا أن هذا الانتصار لم يدم طويلا؛ فقد انتصر له الملك الكامل أخو الأشرف، وكان سلطان مصر وأشعريا في عقيدته، كما انتصر له كثير من العلماء بعد لأي، وانتهى الأمر بأن عرف السلطان الأشرف أن الشيخ على حق، فعاد إلى تقديره وتعظيمه واسترضائه.
17
إلحاد وانحلال خلقي
كان من الطبعي أن تكون ملامح هذا المجتمع التي ألمعنا إليها، والتي اكتفينا بها عن غيرها لتصويره، من العوامل القوية التي دعت إلى ظهور كثير من صور الانحلال الخلقي وشيوع المنكرات من ناحية أخرى، فكان هذا وذاك من الدواعي الشديدة التي حفزت كثيرا من رجال الدين والفقهاء والعلماء، ومنهم الشيخ ابن تيمية، إلى مكافحة ذلك كله بكل سبيل، وكانوا يجدون العون على ذلك من السلاطين.
ولا نرى ضرورة الإطالة في هذا، فإن هذا المجتمع في ذلك العصر لم يشذ في ذلك عن كثير من المجتمعات الأخرى التي تقدمته أو جاءت بعده، ومن ثم نرى أن نكتفي في تلك الناحية بهذه الكلمات الموجزة: (أ)
يذكر المؤرخون للعز بن عبد السلام المتوفى في القرن السابع أنه رأى السلطان الأشرف موسى ابن الملك العادل بن أيوب جالسا يوم عيد في مجلس المملكة وفي أبهة عظيمة، وقد أخذت الأمراء تقبل الأرض بين يديه على العادة، فناداه بقوله: «يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟» فقال: «هل جرى هذا؟» فقال: «نعم، الحانة الفلانية يباع فيها الخمر وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة!»
فقال السلطان: «يا سيدي، هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي.» فقال الشيخ: «أنت من الذين يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة!»
18
Unknown page