161

يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك (سورة الانفطار 6، 7)، وذكر المطلق والمقيد في أول ما نزل من القرآن، وهو قوله:

اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم .

ونرى من هذه الآيات أن الله - كما يذكر ابن تيمية - خلق جميع ما خلق لغاية مقصودة، فلا بد أن تهدى جميع المخلوقات إلى تلك الغاية التي خلقت لها؛ إذ لا تتم مصلحتها وما أريدت له إلا بهدايتها إلى غاياتها. وهذا مما يبين أن الله خلق الأشياء لحكمة وغاية تصل إليها، كما قال بذلك السلف وجمهور المسلمين وجمهور العقلاء.»

4

ثم شرع بعد هذا في بيان ما ذهب إليه «الجهمية» من أن الله لم يخلق شيئا لشيء؛ أي لحكمة أرادها، وما ذهب إليه بعض الفلاسفة من إثبات عناية الله وحكمته مع إنكارهم إرادته.

وأتبع هذا بالإشارة الكافية إلى ما استدل به كل من الفريقين، ثم بالرد عليهما، وأطال في ذلك حتى تم له ما أراد من هدم هذه الآراء الضالة، وبيان الحق الذي قال به جمهور المسلمين والعقلاء من إثبات إرادة الله وحكمته في جميع ما خلق.

وأتبع ذلك بالكلام في تفسير الآية الثالثة، وهي قوله تعالى:

والذي قدر فهدى ، بين صورا ومثلا للتقدير والهداية، وتعرض لبعض ما ذكره المفسرون السابقون قبله، وقبل من أقوالهم ما رآه حقا، وبدأ ذلك كله بقوله: «فقوله سبحانه:

والذي قدر فهدى

يتضمن أنه قدر ما سيكون للمخلوقات وهداها إليه. علم ما يحتاج إليه الناس والدواب من الرزق، فخلق ذلك الرزق وسواه، وخلق الحيوان وسواه وهداه إلى ذلك الرزق، وهدى غيره من الأحياء ...

Unknown page