126

وأخيرا، نذكر أنه إذا تركنا عقد الإجارة الذي لا يمكن فيه تسليم المعقود عليه عقب العقد، فإنه في عقد البيع إذا كان في تأخير تسليم المبيع ضرر يسير بالمشتري ومصلحة راجحة للبائع، نرى أنه من أصول الشريعة أنه إذا تعارضت المصلحة والمفسدة يجب أرجحهما كما هو معروف، كما يجب دفع الضرر الأكبر باحتمال الضرر الأدنى.

وهكذا وصل الإمام ابن تيمية إلى دفع ما يحتج به الفقهاء الذين ذهبوا إلى أن عقد الإجارة يجوز استحسانا لا قياسا، وإلى التدليل بحق على أنه موافق للقياس ولأصول الشريعة.

المضاربة والمزارعة:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن هذين العقدين، وكذلك أيضا عقد المساقاة

31

تجوز شرعا على خلاف القياس؛ وذلك لأنها من جنس عقد الإجارة، ومن ثم يجب أن يكون الربح معلوما قدره حين العقد، ولكن الأمر في هذه العقود على غير هذا النحو.

وذلك لأن أجر العامل في كل منها لم يعرف قدره عند التعاقد، بل يكتفى فيها بأنه حصة شائعة في الربح العام

32

كنصفه أو ثلته على حسب ما يتفق المتعاقدان عليه؛ ولهذا لا يجوز كل من هذه العقود قياسا، بل استحسانا.

ولكن شيخ الإسلام لا يذهب مذهب أولئك الفقهاء؛ أي في إرجاع هذه العقود إلى الجنس الذي يدخل فيه عقد الإجارة وإلى ما استتبعه عندهم من جوازها استحسانا لا قياسا للسبب الذي ذكروه، بل يرى أنها من جنس عقد الشركة فتكون قياسية.

Unknown page